صمت المكان و يقضة الكتابة

صمت كبير يتوشح المكان ، يحط النسيان يديه على عيني فلا أرى شيئاً. أسمع ضجيجاً من حولي وكأن كل شيء يناديني بلغة أخرى، وبطرقٍ جديدة في الخطاب. لكن قلبي لا يعي إلا صوته الداخلي: من هم، ما يقولون؟. هكذا أختارُ السير في الطرقات وحيداً، وهكذا تنبلج أفكاري كفجرٍ جديد يرسم طريقي لأحلامي الكبيرة، أنا أقتربُ مما أردت و أبتعد أكثر عن كثير من الكائنات التي أحببتُ، حتى صار بيني وبينها حاجر من ملايين السنوات الضوئية . دوماً ما كنتُ أحس بضياع الذاكرة في خضم الحيَّاة التي تستولي علينا حد الهلاك، فلا نحس أننا فقدنا ذواتنا التي ذابت فيها إلا بعد فوات الأوان . كم نبدو كائناتٍ محنطة لا تختلفُ عن فرعون ، لنكون عبرة للقادمين ! . ماضٍ في البسيطة تسكنني المُدن بتفاصيلها، بمشكلاتها المتوارثة، بسلوكها النابع من ثقافتها أو من ثقافاتٍ أخرى. لقد ظننتُ وقتاً طويلاً أني أكثرُ الناس وحدةً، لأرى إنصهاري حد الصمت وهي ضريبة التوحد، غالباً الناس تجهل ذواتها، وتبني تصوراتها بناءً على رؤى آخرين، فيصبحون بشكلٍ ما أبعد عن مكنوناتهم، ولذا غالباً إدامة النظر في إفرازات المجتمع، يدل على الفرد الذي يثبتُ ضياع روحه في هوياتٍ وتوجهات ليست هي ذاته، فلا يفرق بينه وبين الآخرين إلا اسمه ومظهره الخارجي فقط، و إلا فإنه نسخة أخرى وفرد واحد ضمن ركبٍ كبير العدد من الصعب إحصاؤه! . في هذا الزحام يسود صوت العقل الجمعي، وتذوب الهويات لتحضرَ هوية واحدة، وتوجه واحد ولغة واحدة، إن الجسد الذي يتألم لألم بعضٍ منهُ "مختلف" و بالإختلاف ذلك ينتج معنى سامٍ للإتحاد، وربما الإنصهار وهذا "الإختلاف" نقرأ أهمية في قول الله تعالى في محكم تنزيله ( إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فتحقيق التعارف قائم بإختلاف المتعارفين ، وذا الإختلاف ببني أمة متماسكة قوية بداية من الفرد فالفصيلة فالعشيرة إلى أن يصل في ذروته للشعب والناس أجمعين . سفري الأول للذات أنتج أسفاراً أخرى في الإنسان المختلف فيني، وفي سكني للتفاصيل التي أمرها، والتي أعيش معها بكل الكائنات التي تحويها قصصاً للحب والوفاء. وعندما أمر على أي مكانٍ أفتشُ عنه في قلبي في تجليات الفصول كلها، وبتعاقب الليل والنهار لأبني تجاربَ أخرى للإنتماء و الكتابة.

تعليقات