أستفيقُ وقد منيتُ بالتيه فوق التيه، يتضرمُ الشعور فيّ حتى لأسمع له صوتًا في صرير عظامي، وتدفق دمي في شرايني، ونبضات قلبي القوية؛ هذا التدفق الذي يجعلني أنفضُ عني الذكريات عُريانًا من كل شيء، وشمعةً تتوهج لُتبقي منها جسدًا يوهبُ فنائه للرياح تذروه في رحاها.
المرارة ليست هذا الفقد الصقيع، ولا شُعور الرهبة بأنّي أستمر المضي وحيدًا رغم قربي وتقرب كثير من المخلوقات لي؛ لايمان عميق أني لستُ في الزمان ولا المكان، وبما أن نماء اللغة في صدري يشكل الحواجز آنيًا وباطرادٍ سريع…فقد أخذتُ مِن خاطري الجوى مخرجًا يقيني القرب المخادع، واللغةُ التي تتكشف لأراها وتنفذُ منها بصيرتي.
يبدو غريبًا لي دومًا تفسير النّاس لقربي أو بعدي، ويكون هناك بون شاسع وفجوة فراغية تشكلُ بعدًا آخر عن ما أشعرُ به، إذا ما رأيتُ الكائنات من بعدٍ آخر، وكأنها فضائية وذات سمات عجيبة استغربها فأصبح غريبًا عني بهذا القرب رغمًا عن كل الاختلاف، متلمسًا التنوع الذي يجعلُ الكائنات قريبةً لتوصف بكائناتٍ أخرى رغمًا عن القوالب التي تقبع بها والأشكال التي تمثلها، أجسُ جسدي وتغوص يدي في غورٍ لا ينتهي لن تعود يدي الآن يدي ولا اللغة التي تتسربُ من شفتي لغتي!
عجيبٌ أن تعمن في الحُب مع الرحيل آنًا لتذوق الجذوة و تستطيب النهاية ترضى بالاشتعال ثمنًا للرماد الذي تجنيه هكذا كنا ، وعندما أنظر لعلاقتنا من البعيد أجسد هشاشتها في الواقع يذروها الهواء ويقع بها أي موقع، كما نتوه في تلمسُ بغيتنا مع الوصول آنًا هل وصلنا أم أننا تركنا أرواحنا محبوسةً في طريق لا نهاية لها!
مضى عُمري على نحو لا تُعد فيه السنين ولكن بالكلمات التي كتبتها وتلك التي نطقت بها لتعاود ولادتي مرارًا فيراني الناس في المحل شُعورًا وقد غُيِّرتُ على نحو لا أتذكرُ فيه من كنتُ سالفًا؛ تبقى الوجوه والأسماء قريبة رغمًا عن البعاد وما يفعله التواصل فينا مساهمًا في شركة النسيان التي بنيناها سويًا، النسيان المقيت الذي نقترقهُ دونًا عن الآخرين هو من يعجن ذاكرتنا ويشكل وجودنا السُوريالي ذي الفجوات .
يبدو أن العُري أيضًا شكلٌ من الحواجز التي تجعلنا عصيين عن التفسير؛ لأن الحس الآني هي القشرة التي لا تكشفُ أي شيء، ويصبح العالم العُريان مع تلقيه المطر مذرورًا في القطرات التي تتهابطُ عليهِ نعيمًا على قلوب النّاس المُرحلة إليه بحب لا يُفسر ينشدون ولاداتهم في ولادة حاضرة للأرض، ويسمعون حكاياتهم في تفتق الأشجار عن النمو، وفي شكل الحياة التي تنمو في الخضرة كما تنمو في الندرة.
نفذ صوتي في إنسلال الضوء عبر المدى؛ صوتي الكلماتُ التي كتبتها تناديني يا عاهل آلام العالمين يا جسد التيه المُبين غسّل عينيك اليوم ناهضًا بذكرى حلوة وجسد جديد، يا عاهل آلام العالمين اختر من اسمائك ما تشاءُ نسبًا وانتماءً فإنك الأول ألمًا والأول لغة والأول عطاءات فاختر أن تكون وحيدًا لتكون عالمًا واختر أن تكون قريبًا لتكون شاهقًا لا تُرام بالوصلِ واختر أن تكون حبيبًا لتكون الحُب دونًا عن الكائناتِ بقاءً في الفناء وفناءً في اللقاء .
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...