-أحزان تنتهي بي وأنتهي بها ! مُعترك, ُيخبئ الليل مشطهُ في ذكرى لِقانا فلا تُسفر الأشياءُ بعد ذلك إلا المَوت تنتصرُ لِـ شهوةِ الذات بقاءاً مميتًا في لحظةٍ عابرة .
* ** *
1, أحزانُّ تنؤ بها ألوا العُصبة, وماذا بَعدُ ؟ . تهتُ وكانت معارفي السالفة تمحى لِوقتٍ ما, ها أنا بعد زمن بعيد, أتذكرُ هذا الطريق, إنه الطريق إلى قلبك الذي أنتهيتُ منه مذ زمن, يبدو الأمر أشبه بالعجلة التي أدورُ فيها وأدور بينَ وحشة وداعك, وبينَ لحظة لقائك إذ يحملني الشوق إلى حرقةٍ تتشكلُ من ملامحك, وتؤجج فيَ الذكريات ! سيجلي الصمت ضعفَ الكلام ويكون المعنى حينئذ ساكنًا قلوب تعرفُ الحب الأعظم فتصعد به سلما للسماء وتسمو بها عن كل ما يدنوا بها عنهُ ! تتأرجح نفسي بين ميزان البعد والقرب , وابدو خاليا عنهما , شريد اللحظة والحرف , فقيدُّ المحبة, جامعُ الألم في آنٍ. تهتُ وتاهت معانيَّ, أينَ حرفي زورقًا يوصلني برَ الأمان, أينَ شِعري غابَ عن ألحاني, وصمتي البعيد يفجر في صدري مففخاته أن عِش ألامك برهةً لا ينساها الفؤادُ ما حيا. يديّ الأن تجهلُ جسدي تبدو باردةً جدًا كجماد, حتى نفسي أبت إلا الرحيل, كذا دفئي سُرق ليكونَ في قلوبٍ رديئة لم تعد تتذكر شيئًا مِنه. أحزانُّ حُملتها, وحملت هيّ كاهلاً لا يأبى ظاهرًا بها, ها أنا ذا أُجافيها كما ماضي لا أتذكر شيئًا منه,حقيقة أني لم أعد أتعرفُ وجهي في المرايا- حزنُّ آخر, لم يعد يعنيني شيء, حتى وجهي الذي يبتسم أصافحه كل صباح, هل إلتقينا سالفًا ؟ لا أدري من يبتدأ بهذا السؤال اليومي, وأُحبك ذاتًا, ولا أتذكرُ ملامحك, لم يعد يعنيني شيء ومع ذا أحزان تنؤ بها العصبة . حاضرًا في جوهرِ الأشياء, بينما غيابي ظاهرة جليّة, حبي للأشياء يبتدأ من كره الأخرين, لقد أصبحت كل أسباب الكره حبًا, كي لا يرحل حبك من فؤادي, لقد قاومت قانون الجاذبية, ونقضت قوانين أنشتاين النسبية, لأحبك حبًا كليًا لا يغيره شيء .
** ** **
2, قد يتحدث أحدهم عن أمرٍ ما – لا يعي فيه أبجدياته الأولى, الأمر يشبه أن يقرر الأطباء فجأة صناعة مركبة, ويتركوا مهنتهم للأخرين, بدون حتى أدنى خِبرة بذلك . هو الأمر مع حبك, فأنا عاميّ إتجاهه, تذوبُ كل معارفي, طرقي المُمنهجة, أصوليتي, فلا أفهم أي شيء, حبك شيء غامض يشبه حاجة إنسان للغة قوم هو في ديارهم, ليكون صلة بينه وبين الإنسان هناك, إن حبك بمثابة جسر العبور لكلِ مشروع أراه, لقد صارَ لب حياتي من دون أن أدري, ثم أعلنَ الرحيلُ صفارة الإنذار , الكل تأهب للسفر , إلا أنا بقيتُ وحيدًا أحادثُ الشمسَ والسكة التي أحرقت قدماي وقوفًا ينتظر النهاية !. نعم لم أعد أدري لماذا تكونت مجرات وكواكب ولغات أخرى في صدريّ لتنبذك الأن, لقد أجمعت أن ترميّ بجثمانك للمريخ حيثُ وجهي مطبوع في تربته, وكأننا ننقلك مني إليْ , وما زلتُ أتضورُ شوقًا , قد كان لقائك الماء والأكسجين الذي أتنفسه كل يوم, والأن إنتهى كل شيء, وأنا لم يصبني أي شيء فقط أنا مختنق , لا أستطيع التنفس ؛ ولا الحياة !! . هذه حياتي, مستلقيًا بينَ أحزاني, أوراقي التي تموتُ كل يوم بطرقٍ إنتحارية, لتثبتَ وجود المعنى السامي, قد أصبحتُ جوهرًا لكل حزن, لذا أنا عاهل الآلام. لقد ضعتُ بيني وبين متشكل النص, فتارةً يكونُ قصيدة, وتارة ألم لا يعرفُ مبدأه من منتهاه , نعم فأنا إنسان يبتدأ وينتهي كل يوم وبشكل مُستمر حتى ظن البعضُ إنقراضي , لغتي لم تعد تحتمل الكثير, فنصي الذي يقرأ اليوم يحاربُ للبقاء, بالعمقِ فيه, بقلبي الذي يختبئ خلف حروفه, بين المعنى الذي يشتهي لقائي فلا نلتقي, بيني وبيني إذ أنا أبُ النص وسيده.
** ** **
3, رحيلك المتوحش لم يربكني أبدًا, فقد إعتادت جوارحي على خيانتك إلى درجة لم أعد أحس بأي شيء تفعله, لم أعد أعده مستغربًا, لقد كانت غابات حزني كفيلة بجعلي أرحلُ ضياعًا عن زيف الآخرين, والأمطار التي تهطل كفيلة بمحو أي ذكرى, هناك أماكن لا تصل إليها النور في قلبي , لا يمحو الأثر فيها شيء, وتبدو هناك كمنطقة أثرية عتيقة لم تطأها قدم مذ مئات السنين, جرحي غائر قدر تاريخ بأكمله, وقلبي لك يعد يُحس لإختلاط ألامه, وتحولُ أحزانه إلى همٍ عام للبشرية جمعاء, شيء لم أعد أعرفه عن نفسي, تبدو لي صورة تلحو في الأفقِ, حياة بأكملها تتجلى, وموت يقترب شيئًا فشيئًا , وأنا بينَ أوراقي وأقلامي, لا أدري أينا ينتهي أولاً , متى يولد المعنى, ومتى أموتُ على قافية كلِ سطر أو في مبتداه, لقد كنتُ صامتًا كهذا الورق الذي أعيشُ به الأرق كل ليلة, حتى يطلع الصبح ويبدد إندمجنا, فنعيش الصباح منفكين عنا تمضي على أجسادنا الحياة فنهرم, و ننزع قناع شيخوختنا عندما يبدأ الصبح يخلعُ رداءه ويستبدله المساء, فتتكونُ حياة بمأساتها, بمشاهدها اليوميّة قوم يتصارعون على رغيف خبز, وقوم يرمون بفضلاتهم للمهملات يقتات عليها المعدمون ! .
** ** **
4, لم تكوني مجرد أم عادية يا سيدة النساء, فجلالك يضيءُ في كلِ آنٍ أرى نفسي التي شيدتِ, نفسي التي ما كانتَ شيئًا بدونك, فيسألوني عن أي قداسة يحملُ دمي و هو بضعة مِنكِ , ولا عن أي حبٍ نقي أحمله للإنسان وهو أبجديات حبكِ ووفائك ، لقد كنتِ وما زلتِ أعظم النساء في هذه المجرة , وفائك الذي علمتني إياه صارَ يلمسه أي صديق, وجلالتك وعظمتك سمت بي فما نزلت نفسي إلى الدنيئة قط , ويسألني الناس بعد ذلك عن بعدي عنهم سنوات ضوئية ما علموا أني صعدتُ بكِ إلى حيثُ لم يصل أحد بالعزة والكرامة, بالطهارة والكبرياء . أمي يا سيدة النساء, حروفك لم تكن مجرد معاني تستقر في النفسِ ولا تزاولها, لقد كانت دستورًا لحياة ولوداع, فمنكِ نمت شجرة الحكمة في نفسي الشقية, نفسي التي أبت إلا أن تقف في منطقةٍ ما تكونُ محورَ الكون, وتجتمع المجرات لتكون صورتي عن حزني, عن حلمي الكبير الذي لم يمسسه سوء البشر, ولا المعاني التي تنتجها العقول , لقد كنتِ باب لنصري و تمكني, فأنا لم أنشأ لغتي بناءًا على نفسي, لقد كنتِ أنتِ الأساس ولبَ المعنى في عمقي, لقد كانت صورتك تضيء لي الجوانب المُعتمة فيصيرُ إلى معنايَ تألق لا يصله ولا تعرفهُ لغة . لقد تعلمتُ أن أحملَ أحزان العالمين مِنك, أن أحس بمعنى كوننا جسدًا واحدًا , فصرتُ أعلم الأن كيف أعذر, كيف أمضي في طريقٍ يؤلم لكنه يوصلني إلى نهايةٍ مشرقة, كلها لهذه الرابطة التي تربطنا بالجسدِ العظيم , وبالحبِ الذي يشعشع في نفوسنا البسيطة مهما غلفها الصمتُ والكبرياء .
*** *** ***
5 ، الكتابة التي تشعشع بالحيّاة تسكنُ أجزاءً منها رائحة الموت. كل أسباب الكتابة المفرحة تتحول إلى أسبابٍ للتعاسة والشقاء، لذا يبكي العشاق بحرقة عندما يقرأون قصائد وروايات للحب لأنهم يحسون أن كل ذلك يعنيهم فيتلظون بنار الفراق ! ، و يصبحون دمى بين يدي الذكريات ! لكن الذين لم يعيشوا هذه الحالة يتحدثون عن جماليات اللغة و الأفكار ! . الكل يعلم أن لا شيء يستحق الحزن ومع هذا يستمر في الحزن، إن العودة للذات يستحيل معه الرحيل و لو كانت ضريبته خسارة كل شيء ، لذا يبقى الحزينون على ما هم عليه، ويبقى الآخرون ينصحونهم بترك الحزن و الإلتفات للحياة، بينما هم يعيشون حالةً شعورية تجمعهم بكل ما دبَ على البسيطة فيعرفون معنى الحيَّاة. الكل يغرق في نظامه اليومي حتى يصبح "النظام" و يهجرَ ذاته، وربما لم يعد يدري أنه أحد قوانين وبنود هذا النظام وهذا الإنخراط بحد ذاته يشكل ضياعاً للهوية، وذا سبب إطالة الناس النقاش في هويات وكينونات الآخرين ! . طريق الحزن لا يأب منهُ، أي بداية أخرى تنتظرنا من جديد على قافية " الوجع" سؤال مرحلي بين ضياء يختفي في عباءة الليل، وبين ظلٍ قررَ أن يختفي بين حروف إستمرأت حزنها القديم، وبثته للصدر الذي حواها من البداية .
** ** **
6 لقد ظننتُ أن توقي الكبير للكتابة، توق لموضوعات وظروف تبثني في (النصوص) وتعطيني صفة الخلود بالرغم من وصفهم لي بالغامض والمستعصي على القراءة، إنهم يتهمونك بالغموض عندما تكون أشد الناس وضوحاً وكأنهم يقولون لتكن أكثر غموضاً لتكون أكثر وضوحاً . إنهم الضائعون عن ذواتهم لذا يحتاجون للمعايير الصلبة ليحددوا بها ماهيّة الأشياء وذا سبب إطلاق التهم المُعلبة على الناس . لقد قررت الرحيل من كل شيء، أن أرمي بالأمور عرض الحائط و أكتب، لقد صارت تلك التهم المعلبة ملهماً لكتابات جديدة لم تخطر على بال أحد قط، وذا يقربني من ذاتي أكثر لأفهمها.
** ** **
7، فارقتُ حزني على مفترق "الطرق" لقد علمتُ بعد إذ أن ذا توحده بي ، لقد سكننا ذوات بعضنا، وصارَ صوتنا صوت واحد، و غدت أحلامنا جليّةً في ذا العالم الفسيح.
** ** **
8، أودعت (حبنا) هذه الذكرى ونسيتها، نسيتها لأني عشتها كسلوك وطريقة حياة وذا يدلُ على رسوخها فيني ، سأحبك يوم بعد يوم أكثر، عندما تتقدس أنظمة حياتي وتصبح حتمية و أكثر بقاء أكثر خلوداً وعظمة.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...