النظام البقري

كثيرون يطلبون مني " التوقف" إشفاقاً على حالي ، وما صرتُ إليه من الشقاء، والعذَّاب، يقولون: أرح نفسك ودعهم لشقائهم ، و آخرون يطلبون ذلك لأني سببتُ لهم حرجاً إذ صارَ الصدع بالحق هذه الأيام جريرة تستحقُ أشد العقوبة، كلا الطرفين يطلبون مني أن أفنى و أنتهي ، أن أكونَ نسمة لا تختلف عن بقيّة النسمات في الكرّة الأرضية، أن يذكر اسمي كأي اسم آخر، لا يعرفني أحد ، لا يتذكرني أحد . إن من أعجب ما رأيتُ رجلاً هبَ لنصرة قوم يتلقون هجوماً من آخرين ، فلما مضى على حاله أعوام، إنتصر لهم، و ما أن رفع رايَّة النصر حتى حملوهُ للمشنقة، مشددين عليه اللوم والتقريع حتى في ساعاته الأخيّرة، ذاك الرجل هو أنا ، فها أنا أتلقى الطعنات من الخلف ليتأكد الجميع أني بالمقدمة، وها أنا أرى وجوه الصامتين الذين قرروا أن يتركوا قضيتهم التي تحدثوا عنها طويلاً ، ليقولوا في النهاية قولَ الأخرين -الذي لطالما أنكروه- فيهم، وليثبتوا أنهم كائنات صوتية تتحدث أكثر من أي شيء آخر، وعندما تأتي الأفعال يختبؤن في جحورهم، أو يفعلون كالنعامة عندما تدخل رأسها تحت الرمال بينما جسدها مكشوف للجميع. عندما كنتُ صغيراً كنت أسخر من مقولة: الناس معادن، إذ الناس لا يختلفون إلا بإختلاف الظروف التي وجودوا فيها، حتى مرّت السنوات وعرفتُ الحقيقة، عرفت أن الناس تكذب حتى عندما تقولُ الحقيقة، فهم يقولون نحن كذا وكذا ولا شك بصدقهم، لكنهم يفعلون ما يقول للناس : نحن لسنا ما قلناه لكم، نحن نكذب ، تراهم يقولون: لم نكن شيئاً مذكورا، ويقرون بجهلهم ، لكنهم يخاصمونك ويقررون أنك على خطأ فادح فيما تعرفه، ويقولون أنهم لا يعرفونه أو غير مهتمين به ! . هل أصدق أقوالهم عندما يقولون لا يهمنا هذا الموضوع أو ذاك بينما كانوا بالأمس  أول مَن تحدث عنه؟! . إن الإنسان مازال يناقض نفسه، عندما يؤمن بمبادئ لا يطبقها، فيحثُ على اجتناب ما يقترفه بلا إستحياء صبح مساء . الذين يناقشون اسمي ، لماذا أنا عظيم جداً ، ولمَ أكتبُ الخزعبلات التي لا طائل منها ، يهربون مني ، هم لا يستطيعون أن يناقشوا ما أقول : لذلك يرموني بكل ما أستطاعوا من تهم ، ويتلقفون كلام الآخرين كان حقاً أو باطلاً، إنهم يريدون أن يثبتوا لي أني من الملائكة، بينما أنا إنسان غير معصوم يقع منه الخطأ و لا بد ، وهم ما زالوا مساهم رئيس في خلود ذكري بين الناس . 

لقد تعلمت في سنوات قليلة، ما يستفيده إنسان ويتعلمه خلال عمر بأكمله، وتبدا لي ما في صدور أولئك المتخفين خلف إبتساماتهم، وكلماتهم اللطيفة ! . لقد أصبح البعض يتجنبني ، ويتجاهلني ما أستطاع ذلك ، لأن نفسه تعلم خذلانه لمن حمل هم قضيّته ، لقد إعتادوا أن يكونوا في شقاق لذلك الحد الذي يقفون فيه مع أعدائهم المُتوهمين ضِدي ! . ما زالوا هم يعيشون على إستحلاب المشكلات وتخيلها ، ونسوا أن لكل بقرَّة حداً ومقدرة تفقد بعدها مقدرتها على الإنتاج ، أيها السادة لم يعد أحد يصدق قصصكم المستحلبّه تِلك، و أصبحت الحقيقة في هذا الزمان تمارسُ حقها في محو من يعيش على الظلال و في العتمة ، فصحوا قبل فوات الأوان، حينها لن ينفعكم ندم . والسلام.  

تعليقات