ما
الذي يجعلُ من "الكتابة" أمراً هاماً يوازي حياتنا؟
.
.
.
.
مُذ
مدة وأنا أحاولُ " معرفة " سببٍ يجعلني أكتب ، هناك أسباب كثيرة تتبدى
لي، أكتشفُ فيما بعد أنها وهم ليس إلا ، لطالما ما كانت الأشياء المؤثرة في
حياتنا، غير مُحاط بها، من ذا الذي يعرف ما هو الحُب ، الكل يعيشه، لكن الجميع
يفشل في تعريفه، أو تحديده ضمنَ تعريف يضعُ له حداً؛ لأن لا حدود له، وكذا الكتابة
. الكتابة أرض شاسعة متراميِّة الأطراف، تحملُ في جوانبها، كل طقس، وكل طريقة
للعيش، ومن هذه الأماكن، تنمو، وتعيش ، في دفاترنا _ وبذا، تنمو اللغة. كل تلك
الأشياء التي تمنعني من الكتابة، تملئني توقاً و شغفاً بها، فهي ِّ مذ البدء كانت
ملجئً أعودُ إليه بين الفينة والأخرى، وأعودُ: مخلفاً بعض القصاصات والأوراق ،
إنها جانب من الحيِّاة أُسمع فيه صوتي الذي غابَ في دياجي الذاكرة، أسمعُ لحزني
الأول ، لاندماجي بأحزانِ الكائنات، والذاكرة التي تشربت ذا، وعرفته، تمسك بيدي،
لأمسكَ بالقلم مرّاتٍ ومرات ، ولأبثَ ذاتي في كلِ ما كتبتُ، ومن رسوخ الكتابة،
دُمجت بي، فصرنا شيئاً واحداً، نُعذب سوياً، نحتارُ جميعاً، و أختار أن أتوقف بلا
سابق إنذار، لأكتبَ نصاً، وموضوعاً آخر . ربما تذكر بعضنا التواريخ المُهمة في
حياته، لكن كلنا في الآن لا نتذكرُ متى تتغلغل الأشياء في حياتنا، فنصابُ بالدهشة،
كيف يجعلنا ننهار _ الحُب، وكيفَ تجعلنا الكتابة على محكِ الوجود، يمكننا أن نعرف
متى كتبنا، لكن وبكل تأكيد لن نستطيع أن نعرف متى تحولت الكتابة إلى جزءٍ من
تركيبة الهواء، ولما تُكوّن الذاكرة من جديد، لتصيرَ ضمن كل ذكرى، وأس لكل وجعٍ
تكتبنا يديه !. هذه العلاقة الراسخة، والمُعقدة أحياناً، تجعلُ لغتي موصومةً
بالغامضة، والرمزية، وهذا أشدُ ما يثبتُ أنها واضحة لذاك الحد الذي " تجهلُ
فيه " فالناسُ دوماً ما كانت تبحث عما نخفيه، بينما تظهرهُ عيوننا، ولغتنا
التي نحكي ، كم مرَّة فشلنا في إخفاء الحُب لِذا: نحنُ عندما نصرح به، ونكتب عنه،
يصبحُ قوياً صامداً أمام الأعاصير، و الزلازل ! ، ونحنُ عندما نفعل يتوقف الناس عن
النظرة له، بمنظار الباحث، فنسمعُ حديثاً آخر عن جماليّات اللغة، وعن الفنيات، أو
عن أي موضوعاتٍ أخرى . الكتابة هي شيء أردتُ قوله، لكن الكلام لم يسعفني لذلك،
دوماً ما كنتُ أفكر عندما أفعل ذلك، مما جعلني أمشي أبطء من سلحفاة عندما أتحدث،
بينما أكونُ أسرع من ذلك بكثير عندما أكتب، وهذا يجددُ المنافسة بين ما يفعله
لساني ، وما تفعلهُ يدي ، هذه المُنافسة القديمة جداً، جعلتني أعيشها لذاك الحد
الذي ابتعدتُ فيه عن الناس، مهما كانوا مُقربين جداً من القلب ، وموجودين في كل
ذكرى، تستدعي الكتابة . مُذ مدة قررتُ السفر للأحساء، مما حملني تجارب جديدة،
ورسخَ في نفسي العودة للكتابة كل مرَّة، لطالما ضاقت بي غرفتي الفارغة جداً، و
المملؤة جداً بكل معالم هذا العالم، وأشكاله ، أنا أسمعُ أصواتاً تناديني ، بحنوٍ
كبير، مما جعلني أهيمُ بها، وأعشها حدَ الجنون ، لا يلومني أحد بذلك، فالضياءُ
الذي رأيتهُ أولَ مرَّة وأستقرَ في قلبي جعلَ لكتابتي رداءً جديداً، وربما سلوكاً
جديد، لقد صارت كتابتي بشكلٍ ما تتشبهُ بسلوك الأحسائيين، وتتخذُ ذاك منهجاً في
الكتابة . الكثيرُ كتبَ عن أسبابه في ممارسة الكتابة، ما الذي جعلهُ كاتباً ؟ ،
والسؤالُ الذي علقَ في ذهني عندما قررتُ أن أفعل ما الذي أعطى هذا السؤال أهميّته
؟ وقيمته الكبيرة، إنها قيّمة الكتابة في حياتنا، كنا قراءً أو كتابا، فكلانا
نُمارس كتابةً للنص _ عندما نقرأه_ وعندما نكتبه نحنُ نوفرُ مساحةً لإيجاد قراءاتٍ
آخر للنص ، لتنبعَ أفكار جديدة لم تكتبها يدينا، لكنها وجدت بقراءة آخرين جعلوا
لما نكتب قيّمةً أخرى . وهكذا تكونُ أفكارنا عن الكتابة كتابة أخرى بحدِ ذاتها،
كذا قراءتنا المُجردة عن كل فكرة، ولكلٍ مذهب ورؤية. في بداية كتابتي كنتُ أكتب عن
المواقف التي مررتُ بها، لما طبعتهُ في نفسي من أثر لا يزيلُ وطئته إلا الكتابة،
ومع مرور الوقت، أصبحت تلك المواقف مُجرد موضوعات، ورموز تدلُ عليَّ في الكائنات،
أنا المُلتحم بها، الراحل عنها قدرَ قربي وإتحادي ، أريدُ أن أسأل سؤالاً ما الذي
جعلَ للكتابة تلك الأهميّة البالغة في حياتنا لتساوي عيشنا ، فنحنُ بدونها كأمواتٍ
، أو كمخلوقاتٍ لم تخلق بعد. أحتاجُ
كثيراً أن أجمعني شتاتي عند الكتابة، لِذا: أناديني عندما أكتب ، ومن ذا ابتدء
عمليَّة جديدة تُحيي كل التراكم السالف، كل الساعات التي قضيتها بالكتابة، فصارت
بعد إذ مطبوعةً على وجهي ، وفي يدي التي خُلطت بطينةِ الماضي ، وفي صوتي الذي
توقفَ عن النداء، ليخبرَ : أن الصمت نداء آخر يجلجلُ بتفاصيلِ الذاكرة .
.
.
.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...