المَوت قبل الولادة ! . ( نص قديم )
وحدهُ
هذا الليل يعرفُ مَتى ينتهي
هوَ
يُحس برداءِ الصباحِ ينسلُ يخترقُ جسدهُ النحيل , يزرعهُ ظلاً لكلِ جسدٍ حي ولا حي
و
كُل الأجسادِ الحية و المحنطة هيّ أشياءُ انتهت قبل الولادة، وحده هذا الليل يقرأ
حزني، الجموعُ غطت في نومٍ عميق ، وبقيتُ أنا وحيداً تسامرني الأبجديّة، فأشكلها
كعقدٍ من الكلمات تبثُ معاني ذاتي بينَ الجُمل .
وحدهُ هذا
الليل يعرفُ ما صرِنا إليّه من الوجع
يسمعُ
أنيناً مُغلفاً بذكرى حبيبٍ راحل، و يملئ نفسه بقدرٍ كبير من الذاكرة المُثقلة
بالجراحات . لقد دام حزننا طويلاً إلى ذاك الحد الذي لم نعد نُحس به، أدمناهُ و
استدام بنفوسنا ، وصارَ رتيباً لدرجة لا تُطاق، ولا يعرفُ سببها، وحدهُ الليل يرحل
عندما يجبُ له أن يفعل ، بينما نبقى مترنحين من أثر الصدمة بقية حيّاتنا إن نحنُ
قررنا ذلك . كثيرة هي المشاغل التي ندعيها، إن مشاغلنا أكبرُ من الحيّاة التي
نعيشُ لذا نبقى أسيري رتابتنا بقيّة العُمر أن نحنُ فعلنا في النهاية، هناك ما
يضعنا على طاولة النقاش ، وما يمحونا من واجهة الأيام ، إنها أفعالنا .
ودون
أن ندري ، تنمو في أجسادنا بذورُ المحبةِ و الوئام، تكبرُ ما مرت بِنا اللحظات و
تنتشر حدَ التخمةِ وَ الاختناق نُحب نموتُ في كلِ لقاءٍ , و نلتقي مرةً أخرى
نشتاقُ إلى موتنا نشتاق إلى تلكَ المشنقة المُعلقة على ذاكرتنا المملؤة بالرماد و
المشروحة بالجروحِ والخدوش و الغرز التي لا تستوعب انشقاقها ولا يستوعبُ ذاك الجسد
, يُعجبنا أن نكونَ موميائات مُحنطة تحافظ على وجودها في قلوبِ محبيها لا تتحرك
ولا تتبدل ما استطاعت ما مرت هذه السنين لآن نخاف أن ينتهي هذا الحب حتى بعد
نهايتنا نريده بأنانية مفرطة أن يكون خالداً لا ينتهي
ما
وجدت مسرحية الحياة وما وجدَ وهمُ عيشنا و وهم عيش كُل المخلوقات التي تتوهم العيش
و
تصنع بعد ذاك الوهم الصنيع و تخترعُ الأحلام و الآلام و تبني بناءاتٍ شامخة يمدها
بالطاقة النزيف الحاد في النبض والمشاعر التي تنقلنا من عالمٍ موهوم إلى آخر أشدُ
وهماً و ألماً
و
أشدُ وحدةً أشدُ حرقةً هيّ تحرقنا تُحسسنا بأن وجودنا الواهم سينتهي الآن لكنها لا
تفعل إلا أن تزيد فترة وجودنا بالألم الساعةُ تبطئ و دقات القلب تبطئ و كُل شيءٍ
هو بطيء لا ينتهي مع سرعة ما يصيب قلبنا من الطعنات و الغدرات !
لستُ
أملكني ذاتيَّ مفرغة في تُحف ذاك البيتِ العتيق لستُ الآن أرانيَّ في
المرآة
ذات لأن المرايا لا ترى ذواتها لأن المرايا عمياء عن ذواتها كيف ليّ أن أملك
عيني
ذاك النهر وذاك النبع لأتدفق في أجسادِ العطشى والمحرومين من الحياةِ بلا أي جريمة
اقترفت هُم فقط فقراء !
كيفَ
ليَّ أن أكون طعماً يُغذي المشردين في صحراءٍ قاحلة حيثُ لا وطن !
وكيفَ
ليَّ أن أكون رداءاً أغطي أجسادَ الضائعين و التائهين في ممراتٍ و متاهات لا تنتهي
من الجوع والحرقة والفقر والعُري !
كيف
ليَّ أن أكون شيءً آخر يكون حياةً أخرى للموتِ يؤلمُ الذوات الحالمة و يقتلها !!
مخدوعون
ببريق الحياة تمثلُ دورَ العيشِ في توابيتنا التي تقوم بدور الزنزانة وحارس
الزنزانة والجلاد و طعام ليس بطعام وماءٍ ليس بماء هوَ في الحقيقةٍ شيء مُختلط
بأشياء آخرى تؤذي وتقتل !
الحياة
هيّ المخدر الذي يخدرنا عن فهم موتنا يعجزنا عن فهم موتنا..وفي الحقيقة نحنُ
منتهون لم نبدأ بعد !
حقيقتنا
شيّ لا نعرفه
وهذا
وحده يجعلنا نحنُ , إن هويتنا القابعة في الجانب اللا مستوعب من هذه العوالم هيَّ
هويتنا و هُناك تقبع أوطاننا التي لا ترفض ألامنا وأمالنا لأن هذه الأوطان هيّ
نحنُ في النهاية و لو كُنا غير موجودينَ فيها لما وجدت !
ليس
الوطنُ أنشودة ولا سلام وطني يطبل المطبلون ويرقص الراقصون به أو بسواه الوطن هو
ذاتنا أن لم توجد ما وجدت الأوطان وأن وجدت هيّ أوطاننا و لو وجدنا في أماكن أخرى
في البدء لكنا مواطنين في أماكن أخرى !
ليس الوطنُ ذاك المكب ولا ذاك الرصيف ولا تلك
القهوة السوداء أحتسيها في الصباح فتحملني ما لا أطيق من السواد ! ليس هذا العالم
وطناً وليست هذه الكرة الأرضية موطناً كُل تِلك الأشياء القابلة لتكون أوطاناً بامتياز
هيَّ حقيقةً زنزانات تحبسنا تحبس عقولنا في متاهاتٍ لا تنتهي بانتهاء وجودنا وليس
لها بداية . هل أقولُ أني ورغم ذلك رأيتُ كل الأوطان تجتمع في مدينتي ، فعندما
أقفُ عند إشارة المرور وأرى من يعبرُ الشارع، أرى حضاراتٍ، وأناساً مُختلفين ، كل
منهم يحملُ وطنه معه ، يحملُ حنينه لكل التفاصيل التي عشقها، لكنه اختارَ أن يدعها
في صدرهِ أكثر، أن يرحلَ عنها بينما يسطرُ هذا الرحيلُ وجوداً آخر لا يستطيعُ
بائته الساكنونَ هناك، بينما أرواحهم تفزُ تواقةً لأماكنَ ومعالم أخرى .
حاملاً
رأسيّ
وبعض
أحلاميّ ..
أعبرُ
الآمال و الآلام جسراً للحياة
أهديها
لكل كائن يصادفني في محطات ذاك الطريق
وذاك
القطار
ولا
أجدني !
....
..
.
.
.
متى
تحينُ نهايتي ؟
- أنت
لم تبدأ بعد !
-3-
جسدي
وطن للكائنات تعبرني
تسكنني
أرضًا وطنًا حقاً
وَ
أحتضرْ
7-
مضى
وقت طويل مذ فقدنا ذواتنا فينا، كل تلك الأسئلة فراغ آخر ، كل تلك الأجوبة لا
تقودُ شيء- في دوامةٍ نحنُ نعبرُ الطريقَ الذي يختارُ فجأةً أن يكونَ مدينة، و
نسكنُ مدينة تختارُ أن تكونَ زقاقاً في سكةٍ يسكن الأمواتُ على جانبيها، ونحنُ
نعذب بالرحيّل الأول ، وبهذه الحيّاة الموت الجديد، لقد أصبحنا فوقَ كل التحنط
أدوات أخرى وزينات تجملُ الأماكن ، لكنها في آنٍ في سياقٍ آخر ومكان آخر في هذا
العالم .
-19
يتعلقُ
الماضي بالمستقبل ، فلا ننسى الأحباب الذين رحلوا، لا ننسى كم كانوا للقلبِ مرفئاً
، يقي من وطأة الشعور بالفراق الذي نكتوي به الآن ، مهما مضيتُ ، مهما اخترتُ
طرقاً لم نسلكها سوياً هناك ما يجددُ كل ما حدث في ما سيأتي ، أنا أعيشُ حياتين ،
ما كنتهُ ، وما صرتُ إليه ، ما يعشقه قلبي ويتوحد به، ومن فارقت ، لأجلِ ما أمنتُ
به، وكانوا هم: أولَ من كفر به. لا تسألوني عن الآلام بعد ذلك ، كيف يمكن لإنسان
فقدَ أغلى ما يملك، وكل شيء تبعاً لذلك، أنَ يعرفَ ما هو الألم؟، أهو فقدهُ لتلك
الأشياء، أم فقدهُ لذاته فيها، أم ضياعه عن ذاته فيما عداها؟ ، كثيرة تلك الأسئلة
التي أسألها، ولا أجدُ لها جواباً، لقد أيقنتُ أن لا جوابَ لها؛ لِذا نسيتُ اسمي _
لم أعد أعرفُ من أنا، لم أعد أسمعُ إلا ذاك الصوت الذي يدوي بصدري ، ويمسكُ بيدي ،
للضوءِ ، منادياً : يا عاهل آلام العالمين .... يا عاهل آلام العالمين ..
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...