ينقض الضجيج على الهدوء؛ ليكشفَ لهُ إن كل جلبته لا تساوي شيئاً، أكثر الأشياء ضجيجاً أكثرها صمتاً، هذه حال داخلية تشغل عن كل ما عداها في الظاهر الذي ينسحبُ شيئاً فشيئاً وتغيرهُ التجاعيد والهرم. لا يَعرفُ هذا الكائن متى دبت به الحياة؛ لكنه يتذكر الحُب الذي مكنه من رؤية الكائنات بعينٍ أخرى. كيف تلون الدنيا بلون الذاكرة تارةً خضراء تسرُ الناظر، وتارة أرض مُقفرة لا زرع فيها ولا ماء! . تتبدلُ الأحوال ليتغير المعنى بكل اسم؛ لم تعد تدلُ الأسماء على شيء الآن غير الحزن المُعبئ بكل سطرٍ جديد أكتبه. لا تفهم الكائنات أني أُحبها لأنها لم تعي بعد أن ما تمسكت به فانٍ، يذوب بالأيدي، وبالألسن التي تحكي تلوك القلوب التي أحبتها لتعيشَ منزوعةً من الحياة، و بالحاشية بعيداً عن الوجود. أن يكون دوري بثَ الحُب، أن تسكن قلبي آلام العالمين، و أن تسير لي الطرق كما أسيرُ إليها. تذوب كل المعاني و أتذكرُ اسمي الناطقَ باسم كل حزنٍ بالعالم، فيصير كل ما كان زائلاً بعد حين يأتي ليضيء الجوانب التي نمت بقلبي و أثمرت ثماراً أقتطفها و أحملها بيدي للساكنين ؛ أحملها شوقاً و حُباً فوقَ قدرة كل فؤادٍ آخر؛ لذا يتسأل الآخر: لِمَ نحنُ وليسَ الغير. لا يفهمون لِمَ أُحبهم؛ لأنهم لم يعوا ذواتهم، لم يشعروا بعد بهم، وذا يجعلهم بحيرة تؤدي للتوقف أو للرحيل ! . هل أتوقفُ عن أدواري إتجاه العالم وقاطنيه لأرضي أصحاب القلوب الصلدة، القلوب التي لا تعي غير لهثها للضياع؛ للحقد والكراهية بينما هيّ قادرة على توجيه القدرة نحو الإنسان فيها، نحو اليد التي تُخلط بتربة الأرض لتعود لأصل التكون؛ وتدبُ بها الحياة جزءًا من جسد الإنسانية. أتلمسُ الحاجة في كل موطن لذا؛ أنا جرح غائر بمن يُحس بي في ذاكرته؛ ليطلعَ وجهي في طلعة كل شمس تبزغُ لتذكرَ أن المُضي وحده لا يكفي، و أن تكون آلةً يعني أن لا تكون آدمياً بحال؛ تتجمعُ الصور ويبان جلياً مواطن الحسن للناظرين غيرَ أن يدي الطائشة لمست الجسد الذي وعت خواءه ؛ أي فراغٍ ذا يملئ الذاكرة و أسمعُ لها صرير الجرار التي حنت للماء الذي هجرَ الأرض؛ ليبقى كل شيءٍ يحملهُ جسدها ليذكرَ به. رغم كل شيءٍ الإنسان يظن أنهُ أعظم من الأرض التي تحن، و أعظم من الماء الذي يهطلُ أحياناً فيستبشر به الناس وتتضيفُ له البسيطة. أيريدُ أن يكون مُقفراً لذا الحد فيسافر، ويترك ينابيع المحبة و أنهارها للمجهول الذي لن يصل إليه بحال، يريد عيشَ الحرمان أبد الدهر لذا ما زال في دوامة رؤاه المجوفة عن الوجود والحياة. اقتربَ وقتُ الرحيل؛ أمتعتي التي حملتُ معي حين قدومي عُلقت بالمكان، أرى أثاراً موحشة على الباب الذي يحنُ لي ولم أمضي بالطريق بعد؛ فأحضنه وهو أحق بأن أعيش حزنه الباقي من عُمري. مضت الأيام؛ لكن مُضيها صورة ظاهرة تُخفي أننا نعيشها على مدار الساعة لذا: أنا ما زلت منذ اليوم الأول الذي كتبت فيه عاهلاً لآلام العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...