طلَّ علي زحامُ الوقت مذ ابتداء
الصباح، لكني كنتُ أقول في نفسي أني قادر على إنجاز كل ما يتوجب عليّ انجازه
اليوم، مرت الساعات تلو الساعات وأزداد الزحام حتى لم أعد قادراً على فعل شيءٍ آخر
إلا أن أُنجز من الأعمال ما استطعتُ إليه سبيلا. لقد تأخر وقت الكتابة كثيراً
اليوم، ومن بزوغ الفجر إلى قبيل كتابتي كانت تتواردُ أفكار كثيرة جداً عما
سأكتبهُ، ماذا سأقولُ؟ وكيف سأقوله! . أنشغلُ في تأملِ ما مضى اليوم ويبدو ليّ ما
فعلتُ فيه لحظةً عابرة، و ومضة تقودني إلى دهليزٍ ضيق أرى بعدهُ كيف تنمو فكرتي
شيئاً فشيئاً بعيداً عن أعينُ الناس المشغولين بالانشغال بالحياة. يتراكمُ العمل
في الذاكرة، ويبقى أثرهُ على السلوك الذي يكشفُ لي عن الحزن خلف الابتسامات
والتضجرَ خلف العبارات اللطيفة. لا تغيبُ عن باليّ صورة الأحباب، وبذا أملكُ
الطاقة لأنجزَ ما أمنتُ به، وأن أضع حجر الأساس لمشاريع وأفكار قررت أن ترى النور،
وأن تواجهَ الحياة. أضعُ بعضاً منيّ في كل نصٍ لأراني كيف أسكنُ قلوب القارئين،
وبأيِ وطنٍ تعيشُ كلماتي وتنمي العديد من الكلمات التي تظلُ وفيةً لي وتتذكرني
لتقوم بزيارتي يومياً، وأراها في تفاصيلِ ما أمرُ به من الأحداث. تمتلئ هذه الساعة
بأصواتِ من مضى وبقي رغم ذلك حياً في دفاتري، وفي الذاكرة التي تكرر صورته، وفي
يدي التي لا تزالُ تكتبه لذا: يبقى حياً لا يموت. الحُب هو أكثر المحسوسات التي لا
ترى، فالشعور بالحب يبدلُ الحياة، فترى الأفعالُ وقد تغيرت، والصفات وقد تبدلت،
والقلوبَ وقد ازدانت وكأنما جائها الغيثُ بعد القحط فربت وأزهرت وأثمرت ، وترى
الوجوه وقد أشرقت، والألسنة وقد لهجت بذكرِ الحبيب، وتصيرُ الدنيا غير الدنيا
وكأنما نزعت عنها رداءَ الكآبة والسأم ولبست رداء السعادة و الفرح . لقد صار ما
يحسُ ماثلاً يراهُ ويعرفُ به كل أحد. هذه المحبة هي التي جعلتني على ما أنا عليه،
وهذه المحبة هيّ ما أوعتني ذاتي، حتى سرتُ ناطقاً بأدواريَّ، وعاملاً بمقتضاها. لا
أدري كيفَ يعيشُ الإنسان إن لم يحبَ، ولا كيف يمرُ يومه وقلبهُ كمضخة تبقيه ميْتاً
على وجه الأرض. أتذكرك دوماً رغم أننا لم نلتقي مذ زمن بعيد، ذكراك تشرقُ في صدريّ
ويرى مِنهُ النور منعكساً على الآخرين فأحبُ الكائنات أكثر، وتنتمي لي أحزانها،
وأقتربُ كثيراً من نفسي لأرى هذا العالم الواسع فيَّ، وأعرفُ أي اختلافٍ ينمو بي
ليجعلني ظاهراً، وليجعلني أكثرُ صمتاً من ذي قبل . يزدادُ الضجيج في قلبي ليحلَ
الهدوء هذا ما صار مُذ زمنٍ بعيد، و في أعمقِ نقطةٍ فيه أبدأ بالتساؤل الذي يحوي
جنبات المكان، و يزحفُ قليلاً بين السطور التي أكتبها ، وينطقَ به لساني فيُعرفُ
من أحببت، ومن الذي يجعلُ كتابتي جميلة لهذا الحد لتليقَ به.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...