نتوقف
الآن أمام بعضنا بعد إذ قادتنا الصدفة إلى اللقاء، ونبتسم؛ لنهرب ؛ في هذه اللحظة
نتذكر كل شيء.. ونبحث عما يخلصنا من هذا الموقف، أنا بالتوقف، وأنت بالتشبثِ بأيِ
مارٍ من مكاننا هذا. نتوقف وكأن العالم كله توقف و انتهى، الأرض صغيرة لهذا الحد
الذي يتكررُ فيه لقائنا ببعضنا دوماً، ليست الذاكرة وحدها تجعلنا نلتقي رغماً عنا
، لكن الأماكن تُجمع على جعلنا نلتقي لترعي بسمعك إلي، بلغتي التي لم تتغير أبداً،
لقد كانت حزينة كما كنت تقول لي . تذكرتُ اسمي اليوم بعد إذ نسيتهُ عندما أقدمت
على السفر، أن أفكر بشكلٍ مُختلف هذا له ضريبة كبيرة، وأن أسافر لأجل ما أمنتَ به
فذا ما سيحملني تركةً عظيمة سأبقى أسددها إلى آخرِ يومٍ في العُمر، لستُ نادماً
على شيء، فاسمي الذي كان يناديني منذ رحيلي ما زال يناديني حتى قربَ وقتُ الرجوع،
لقد كان وفياً لي، أكثر من كل الكائنات التي ظننتُ أن إيماننا يجمعنا فإذا به
يفرقنا أكثر، لقد صار الإيمان يفرق منذُ صار السلوك مُجرد أفعال مفرغة عن الشعور
بها، وعندما غابَ الحُب في دياجي المدينة ، عندما تحولَ الناس إلى آلاتٍ تعمل
كمصانع وأدوات لتنتج وتكرر ما أنتجهُ السابقين بلا أيِ فكرةٍ ، بلا أيِ نمو، ولا
وجود ! ، لقد انقرض الناس وما زالوا يعتقدون أنهم موجودين. لم أعد أستمع لكلامهم
وصرتُ أنظر في أفعالهم، حينها فقط علمتُ أن " الهراء " أكثر المنتجات
رواجاً لدى هذا النوع من البشر.
اسمي
ما زال يحنُ إلي أكثر من أيِ شيءٍ رحلتُ إليه، و رأيتُ كيفَ يرحل عني ؛ الآن بدلت
الأدوار، فأنا الراحلُ لي، تركتُ كل شيءٍ سعيتُ إليه، ليتبعني ، لن أنسى من أنا
لأجلِ أمرٍ في حياتي بعد اليوم، وسأسمعُ لدمي النابض بي، دمي الذي هجرتهُ في هذه
السنين العجاف، يحيا بعد إذ أُمطر بكلِ قريبٍ منهُ، بكل نابضٍ يجمعهُ به دم ورابط
لا يفنى، كل رابطٍ يشتدُ كل يوم أكثر من قبل فلا يقطعُ. لقد رأيت كيف ينظرُ البشر
إلى بعضهم فعلمتُ أن ترك كل شيء لأجل أي أمرٍ سيظهرني ضعيفاً، وقد صدقَ من قال :
" من ترك داره قلّ مقداره " فلذا: أنا عائد لداري، ولأكونَ أسمى، أعظم
منيّ اليوم، وليكونَ وجهيّ بصورتهِ التي عرفتها أولاً وفقدتها بالسفر، عندما أسافر
أجيءُ بجزءٍ من شطرِ وجهيّ، ويملأ الباقي ببعضِ وجهِ المدينة التي سافرتُ إليها،
بعض من شوارعها، وفوانيسها، بعض من أُناسها، وبعض من لغاتها، يعلقُ بي كل ذلك
لأصيرَ؛ كما يراني الآخرون فيها، بينما لم أكن شيئاً مما يعرفوه، إني: خيال عشعش
في مخيلتهم عني لا غير.
ساكن
إلي، أمسحُ عني ما كان، وأعودُ الإنسان الأول ، وأصعد سُلمي حتى لا أرى أحداً،
وأرفعُ يديّ عن تربةِ الأرض، وأغسلُ وجهَ حزنيّ ليصيرَ حزني الأول سامٍ عن كل كائن
"عرفتهُ" وعن كل سببٍ زلزلَ الفؤاد لأجلِ " آخرٍ" سيفنى بعد
أن يعلم متأخراً من كنتُ أنا، ومن كان هو. يا عاهل آلام العالمين، تحبهم لتمسحَ عنهم
كل أليمٍ؛ليسكنك ، ولتضع عنك سؤال الفؤاد : بالقدوم . ليظنوا أنك تحتاجهم ، لستُ
طبيباً أعيشُ على أجسادِ المرضى، وأوقف جثثهم مؤقتاً عن الدفن لأجلِ حفنةٍ من مال
؛ ألا بأساً لهم ولما يظنون، لقد صارَ شعورك بالآخر، عيشك ألمهُ، حزنه العميق،
جريرةً توصمُ بها، لقد صارَ العيش كأيِ آلة محموداً لهذا الحد الذي يعلنُ فيه كل
يوم أن قلوباً قررت أن تتقاعد وتتوقف عن الإحساس وتصيرُ "مضخة" فقط تبقي
هذه الأجساد على قيد الموت.. إلى الموت حيثُ يدفنوا وينتهوا من هذه الحياة التي
كانوا يعملون فيها كمعداتِ لمصنع ما على هذا الكوكب . ليتوقف الأطباء عن هذه
المهنة، وليفتتحوا ورِشاً للصيانة، فهي أجدى في التعامل مع هذا النوع الجديد من
" الكائنات " .
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...