فرحة الإجازة .



جاءت الإجازة، وجاءت البهجة والسرور، وسار الناسُ فيما بين شغلٍ لترتيب مؤنهم للسفر، أو الاتصال بأقاربهم وأحبابهم واللقاء وكأنما يجددون الحياة، و يبتدئون ولادة جديدة ليروا العالم بأعين الطفل الذي لا يعرفُ أن يكون إلا نقيا.
يجتمع الأقارب بعد انقطاع وانشغال؛ فتزاد المودة؛ وينمو الحب ليعمر القلوب التي أنهكها المسير المضني بقية العام، وصارت تستريح من سفرها في دياجي الأيام طلباً للرزق؛ طلباً لوسائل العيش في الحياة لاجتماعٍ يرفع عنها كل ذلك ويجدد الفرحة في النفوس التي تاقت للقاء، فتعمر الأيام بالابتسامات التي تشرق منها الأيام في هذه الأيام. إن في القرب من الأحباب شفاء من الآلام، وأثراً في النفس يظهر للعيان، ويحس به كل من اقترب ليعرف، فيسمعُ عن تجدد النفوس، تنشط ، وترفع عنها الكسل ، وتسيرُ في هذه الصلة، فيلعبُ الأطفال ، ويتلقون بعد الدراسة المنح والهدايا، فتتراقص قلوبهم سعادةً وفرحا، فينتشي الآباء إذ فلذات الأكباد في هذه الحال المُبهجة ليستمروا في العطاء، ولتعود بهم الذاكرة لطفولتهم التي يرونها جليةً في أبناءهم الذين ينشغلون باللعب حتى يتعبوا ويناموا، فيستأنفون ما بدئوا به بالأمس باليوم.
*** 
وكما ألتقي بأحباب في الإجازة أشتاق لراحلين حل القضاءُ فدفنوا تحت الثرى، كانوا بالأمس يبادلونا المرح، والفرحة، لقد ساروا لربٍ رحيم، لكن ذكراهم ما زالت في القلب الذي يبقى مُحباً لهم، ويتذكرهم بكل خير. و أشتاقُ لأقرباء من القلب طال غيابهم حتى ما عادت نفسي تطيق هذا الفراق، وصارت منشغلةً في تذكر صورهم، وأحاديثهم، وشمائلهم . هكذا أحنُ لأكتب مرة بعد مرة لا أسلوا عن ذلك، لأن الذكرى حاضرة دائماً، والشعور يغض به الفؤاد فيظهر فيما أكتبه كشمس الصباح.
***
وكما أن بعض الناس جعل من الإجازة فسحة ليروح ويرفه عن نفسه – وحق له – جعل بعضهم الإجازة فرصةً للاستزادة من العلوم، والتطور في شتى المجالات، فأرى قراءً جعلوا لهم برامج للقراءة، و طلاب علمٍ انشغلوا بالطلب على المشايخ، وكتاباً أفرغوا للكتابة، وبعض الناس إلى حفظ القرآن والتدبر في معانيه، والقراءة في تفسيره . وصنفاً من الناس جعلها في التأمل في ملكوت الله عز وجل ، ليكتشف ذاته، وحاجته إلى الخالق جل جلاله ، فيحقق سكون نفسه، ورضاها بالانقياد لباريها فتصفوا وتعلوا. وكل مصيب فيما يرى نفسه تميل إليه وتبدع فيه وتنتج وبذلك يسمو هذا المجتمع الذي يجتمع في هذه الإجازة ليبدأ في مسيرته للعطاء والبذل فداءً لعقيدة الإسلام، والأرض التي ترعرعوا فيها ونمت بينهم هذه الصلات التي تراها في الوجوه النظرة، وفي الأجساد العاملة تبتغي مرضاة ربها ومولاها.

تعليقات