إسمع صوتي،
وتذكر أي صوت عرفته عني يبدأ منك؟ ، هذه ذكرى تنفلقُ في كل الذاكرة؛ لأرى وجهك
المدينة التي تتجسدني.
على جلدي مدن
مشيدة، وعواصم للعالم لا يسكنها أحد غيري؛ جسدي مُدنُّ، جسدي قِلاع، وسحب تسعى في
المدى، جسدي لغة تُحكى، ومرآة تعكس وجهي على العالم.
همستُ، لم
أسمع صوتي؛ أ لأنهُ مرآة للصمتِ أ لأنهُ تلاشى في جسدي، أم إن ذاكرتي لم تعد
تتذكر؟ُ، أسئلة، تضجُ بيّ ، تارة أسمعها بعقلي وتارة بقلبي تتشكلُ. صوتي يُسمع من
صوتكَ، من الكلمات التي تحكيها فتترك بذوراً تنمو بصدري، إنهُ صوتكَ يطلع من ضِلّع
صوتي، يُحاكي الكائنات التي تشكي، كل بصوتهِ يبدأ، ينطقُ وتنطق هويتهُ، من هوَ،
وما الحدُ بينه وبين "الأجساد" الأخرى، ما يفصلُ بين
"حزنه" و "جسـده."
أريدُ الكلام،
لكن الكتابة تفي بالغرض فأمتنع عن الحديث؛ ما كتبتهُ "أنا" ؛ أرى نفسي الشاسعة في
بضع كلماتٍ كتبتها، في نصوصي، ما أُعرف به نفسي ويعرفني به " العَالم "
أريدُ الكلام،
لكن الكتابة تحفظ صوتَ صدري؛ تداعي الذاكرة وظهورها كضوء منسل يعبر كل شيء ليصلَ
إلي.
أريدُ الكلام،
لكن الكتابة صوت يبقى لي مما مضى ، يحكي الناسُ للآخرين وينسى الناسُ أصواتهم،
كلماتهم، ما قالوا، وتحفظ كتابتي كل ما
قلتُ، ونطقتُ به على مدى الأوقات.
إسمع صوتي في
كل كتابٍ يحكي عني، ولا يحكي عني، فاللغة التي خلقت بذرتها من قلبي؛ لأترعرع في
أسفارٍ قرأتها قبل أن تُكتب، وفي جمل سمعتها قبل كونها أمثالاً تُحكى ، لغة شيِدت
من فؤادي، كيفَ يرى ببصيرته، ويتعرف على الحب من بين ما يتبدى .
إسمع صوتي، و
أنظر لجلدي، تظهرُ طرق سلكتها به، و مُدن من اسمك شيدتها، و كلمات تبقت بعد كل
" نص " يواجه الحياة لينسبَ لي كشاهقٍ رفيع. صوتي ساعٍ على جلدي كجيشٍ
يقطعُ الكرة الأرضية من أقصاها لأقصاها.
تتجذر ذكراك
بجلدي، تمدُ جذورها، وتنتمي لي، هي جزء من جلدي، هي جزء من جسدي، ومن " الذاكرة
" التي تحطُ به إلى مسارات الذكرى و الكتابة ، أُفكر وأقضي وقتاً في التفكير
بي؛ ليظهرَ لي تغيري ، ما "أنا " الآن، وما أنا بالأمسِ القريب، كل شيء
يزول وينتهي إلا العاهل فيني ينمو، كما ينمو جسدي بهدوء؛ جسدي هادئ رغم كل
تغيراتهِ، رغم عودته لطفولته، يبقى فسيحاً أكثر من ذي قَبل، ويبقى هادئاً لأنهُ؛
العالم الذي يحوي الكائنات، ويحفظُ في صدرهِ أحزانها. أرتفع أبلغ من كل مرة
رُفعت فيها؛ لأدنوا وأتدلى وتصيرُ الأرض صامتةً لأفل عُقدة " الصمت"
وأنطقُ ؛ يرتدُ صوتي من كلِ صوتٍ ينطقُ بكلماتي، كل ما كتبتهُ يعود إليّ من جديد
حيثُ " أنا " فوقَ كل مرة أكتبُ فيها أزداد حباً لي لأُحبك أكثر من ذي
قَبل .
أُنظر لجسدِ
صوتي، لِصدره، لبقاياه في وجوه المارين، ولتجليه بصوت الموج الذي أنقضُ عليه، فيعبرني
كطريق خلاصٍ لا رجوع عنهُ، ومع ذا: يرجعُ أخيراً إلى وطنهِ، إلى نبعه الذي خرجَ مِنهُ،
ويُسكنني بعضاً مِنْهُ ، وينمو بي كذكرى، وكذاتٍ تسمو شيئاً فشيئاً، وتكبرُ شيئاً
فشيئاً؛ هكذا المواقف تبدأ بلا أثر يذكر ثم إذا مرّت السنين، ومحص الناسُ
بالتجربة، عرفوا غثهم من سمينهم، وعرفوا منابعَ الحُب الذي يسقيهم، والحكمة التي
تنطقُ ليسلكوا طريقاً سالك إليهم، ليعودوا حيثُ تطلع نفوسهم كصبحٍ يُبسم من رآه،
ومن حواه.
تترنحُ "
الذكرى" إيذاناً بالسقوط، لتضمها أسنانُ " النسيِان" ولتلتحفها
الأرضُ المشتاقة " للساقطين" ، يندبُ الساقطون حظهم، لكن الأرض تنشرحُ
إذ عادوا إليها قريباً؛ هم بعض منها!.
إسمع صوتي،
وأنظرُ في " العالمِ" ترى وجهي بازغاً من كلِ ضوءٍ عرفتهُ، من دَمكَ، من
حُزنك، وأفراحك، من طرقك تسيرُ فيها ليبانَ بعضيّ في " الطالعِ " مِنها ؛
لكل طريق وجه يريهُ من أحبهُ لذا؛ كل طريق جميل ، وكل طريق يسعى في الساعينَ به
وإليه ليصلوا ما قطعوا المسافات إليه .
إسمع صوتي،
ونادِ باسمي في العالمين تجبكَ حناجرهم ولو لم يعرفوكَ، زرعتُ محبتك في كلِ "
حزنٍ " شعرتُ به للعالمين، فتحولَ حُزني إلى " فرحة " وإلى عالمِ
مضيء في كل صدر ذاق حزن شعرتُ به.
إسمع صوتي،
وتذكر أيُ صوتٍ ينمو بكَ ليّ، كيف صرنا شيئاً واحداً بعد إذ دُمجنا، وكيف صار
اللقاءُ ابتداءً لنا في كل نفس تواقة للقاء، وفي كل حزن اختارَ الهِجرة ليعود
لوطنه الأول حيثُ تنتهي كل " الأوطان" التي هاجر إليها ! . كل نفسٍ
تواقة ذاقت بعض حزني، لتعيش معنى السعادة الأعلى .
إسمع صوتي،
وحُس بالعاهل الذي بدأ مِنهُ، ما الألم الذي غابَ وصار محبة، وما الفراقُ الذي
صارَ اندماجاً وهوية .. منا يبدأُ الحب.. ومنا تبدأُ " الكِتابة" عنا .
كل طريقٍ نابت مني لذا : كل الطرقُ تؤدي إلي، إلى حُبنا الذي يعطي للعالم وجهاً
جميلاً مُبهجا .
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...