لا يفيدُ العذر انقضاء الأجل








لا تعتذر

جراحيّ أنهارُّ تسقي العطشى، مَن يسقي أطفالَ الحقلِ إن دملت ؟ ، جراحيّ سنابل وخبز يطعمُ الجوعى، وأحلامُّ عشقٍ تدبُ في ذا الجلد تنبتُ عليهِ بعضُ " الذكريات " التي تبترُ بالعطش ، و يأتي الخريفُ ويحملها معهُ في مهبِ الريح.                                                                تترجلُ الذاكرة؛ تغيبُ عن الفؤاد فأسلى إلا بعضُ الآثار التي تدلُ عليّ ؛ العاهلُ الذي حوى آلام العالمين. أغسلُ وجهي في النهرِ وأرى إحدى عشرا كوكبا تشرقُ من يدي تحتَ ماءه، أتحسسُ حنينَ الجسدِ إلى وطنهِ، تفجره ، انفلاقُ الأجسادِ مِنهُ شرباً و تأملا.                                            
  دمي الوطنُ الذي تنفلقُ منه السلالة العالم، فيظهرُ منها في كلِ " معلمٍ " ما يُشعل في فؤادي طرفَ ذِكرى.  يالَ الدمِ كيفَ صار ماءً، وكيفَ أصبحتُ بعد العشقِ جسداً آخر. 
أكشفُ صدري وتطلعُ مِنهُ مجرات، وأقمار، تقل فلك المدار ليغيبَ الدائرُ في الدائرِ إليه، أكشفُ يدي وتطل كلمات نطقتُ بها، أصوات تقرأُ ما كتبتُ، صدريّ جذعُّ ممتد في باطني، صدريّ أرضُّ خضراء لا يعرفها أحد سواي.
ما عسى الطريقِ الذي سلكتُ أن يكونَ وقد سلكَ طريقاً إليّ؟ .
أنا راحلُّ من المكان الذي يتشبث بيّ، أنا راحلُّ مذ البداية إلى أوطان، وطرق أخرى ، إلى بدايةٍ مِني، إلى وجدٍ إليّ ؛ أنسيتُ في الماضي مَن أنا حدَ البقاء الذي " دمر " كل شيء حصل، يعيثُ في قلبيّ دماراً؛ لا يدمرُ في قلبيّ شيء إلا الذكرى التي تتهاوى أمامي إلى أرضها ، إلى صدورِ الآخرين الذين خرجوا من الصدرِ العظيم.لم أعرف بعد مَن أحببتُ؟، كيف يعرفُ من انطوى فيهِ حزن العالمين أيُ وجوهٍ أحبها، وأيُ شوقٍ مِنه للأشياء وهو بقائها ، أذا شوق أو حنين ؟ .
ما يفيدُ " العذر " بعد انتهاء كل شيءٍ، تخرجُ المدينة من دمي، تغيبُ في دجى صمتي، و أزدادُ بعداً، أزدادُ علواً، تذبلُ المدينة التي حُبس عنها الهواء، تصيرُ قديمة، وتزدادُ في عيون الناظرينِ قيمة، هذا الحنينُ العالق بين جدرانها يُذكر بيّ ، والمآذن التي يرفعُ منها الصوت تمتدُ إلى مدى يصلُ بيني وبينها، يُطلع وجهي منها، ويعيدُ قصتي على ألسنةً خشيت بالأمسِ مِني.  
تمرُ الأعوام ، ينقضي صبري، ويحلُ وقت رحيلي، هذهِ دورة سريعة للحياة، رأيتُ فيها وِلاداتٍ وصِبى وفتوة وشباب ثم شيخوخة و انتهاء و رأوا فيها العاهل في حللِ الفصول، أرتدي عباءة من " حزنِ " العالم وذكراه وأمرُ بينَ الوجوهُ التي عرفتني جيداً فلا يعرفني منها أحد، أنسيّ القريب من القلوب؟ أم هذا الضياء يحجب بيني وبين الكائنات، ما عسى هذا الضوء أن يكون، ما هذه الحُجب بيني وبينهم، ولِمَ لم أعد قادراً على الاقتراب، أخطو إليهم وأحسبُ أنها إليهم وأزدادُ بعداً ، لا أبعدَ مِنْي اليوم ، من ذا الذي يحثُ على وجوههم التراب ولِمَ أزدادُ في حزنيّ أكثر؟. 
تبكيني الطرق التي عبرتها، فوانيسِ المدينة التي أضأتها، وبعض الظلال التي عسكت من جسدي الكون الفسيح. أرفعُ اليد العليا لتمطر ثماراً وبذورا تلتحم بقلبِ الأرض، ليصيرَ وجهيّ وجهة المدينة التي " أحبتتها " ، المدينة التي أخرجتها من جسديّ دون مدن " العالم" ، المدينة التي هجرتها مُذ أتيتها أولَ مرّة.
الآن يمرُ بي المارون في أماكنَ كثيرة، لم يعد يعرفني أحد، ومع ذا الكلُ يبتسم، الكلُ يحني قامته لي ، يمرُ البعض سريعاً ويتهاوى أمامي، رأيتُ الدموع التي لم أعرف أني سأراها، وصارت العيون تخشى النظرَ إليّ، هذه ظلمة أحببتها، ظلمة من الضوءِ خلقت. 
رأيتُ هشاشة الكائنات عندما تكشفُ. سارت قلوبهم التي نبضت بيديّ إلى صدورهم الخاوية من الحُب، تزدادُ من النبضِ ؛ من النطقِ باسمي " تذكر" وجهي الذي أبدلتهُ غير وجهي، ما أجل العاهل وما أحزنه. 









تعليقات