ليسَ ليّ اسم، كل الأسماء تريد الانتساب إليَّ، إلا إن وجهيَّ الذي
صارَ قناعاً لكل متطلع يريد أخذ يدي في سكةٍ لا أعرفها .. كل الأشياء التي لا
أعرفها تريد نسبةً لي، الشوارع، أضوائها، الحقول، القرى الصغيرة المنزوية في
أعماقي، والناس المعلبين كذكرى ماضية ترتد مرَّة بعد أخرى لتضع قصة جديدة تقيدني
لبداية أبث بها " بالكتابة" . الدروب التي هجرتها جعلت مِني طريقاً
لتنتهي، الآن هي بعض من ملامح الماضي التي أحملها، شيء من شذرات ينعكس عليها
الضوء، يميلُ بجذعه على "عيني" لتراهُ، ولأراني من خلاله. أنا أعلمُ أن
النهاية مُحتمة ومع ذا مازلتُ في هذا اللقاء المنتهي، كل ما حوليّ سراب، الجسدُ
الخاوي الذي يتحدث ، الكلمات التي تعبرُ في ذهني سريعاً لتحيي أفكاراً نسيتها،
اللقاءاتُ الباردة لم توجد هذا ما أعرفهُ عنها .
تكرر ما كان مراراً، لم يغير حدوثه شيئاً، غير أنهُ يحدث، بتوالٍ
عجيّب، وكأن المواقف تدور في حلقةٍ لتعود إلينا، نلتقي ونعلم أننا سنفعل من جديد،
لذلك نكف عن كل شيء إلا اللقاء!. الحقيقة التي نشترك في معرفتها أننا لم نلتقي مُذ
أعوام طويلة، مذ فراقنا لم نعد نجتمع، فقدنا أجسادنا و لاعتبارات شكلية ما زالت
تقوم بذلك دورياً، وكأننا آلاتٍ تُكرر إعادة ما كان، فقط لأننا لا نملك خيارات
أخرى لنفعلها.
ليسَ ليّ اسم، لأن المكان عالقٍ بي كجسد لا يفكُ عن صاحبهِ، المدنُ
التي عبرتها اختارتني هويةً، و اخترت أنا أن أكونَ هوية لكل مسحوق، لكل متألم و
أليم، كل الأسماء تنتمي ليّ بشكلٍ أو بآخر، وكل تلك المنتميات تعرفُ عاهل آلام
العالمين . مع كل ذلك يشكلُ اسمي معضلة كونية لبعض المخلوقات التي تظن أنها وصلت
لمرتقى في حياتها وما هيّ إلا بعضُ من " الذكريات" التي لفظتها، فصارت
تحمل قيمة كبيرة بفعلي لها، كيف لا وقد بالغتُ في الاهتمام بها إلى هذا الحد أن
أطردها من هذا [الكون] الشاسع، لتضيعَ في فراغٍ يظنونُ أنه لا ينتمي ليّ، وما هو
إلا جزء مني . يشطرُ الجسد الأول، ويتوزع في بقاع كثيرة من العالم، لكل بقعة اسم،
ولكل ساكنين اسم، ولكل وطن اسم، إنها كذبة كبيرة، فالوطن واحد، والاسم واحد،
والأرضُ واحدة لا تقبل تقسيماً؛ لا ترضى الأرضُ بهذه الخطوط على ظهرها، وترى أنها
تشوه صورتها التي خُلقت عليها، لا تعرفُ الأرض الخرائط التي رسمت عليها، لا تحتاجُ
لتتعرف على أعضائها بخريطةٍ، ولا برسم يدل عليها. أتحسسُ تاريخ جسدي بيدي، وأرعى
القطافَ التي تصيرُ بذوراً لتقطفَ من جديد بأعداد أكبر، لكنها في الحقيقة البذرة
الأولى، والشجرة الأولى، التي نمت بيّ، وأحببتها .
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...