لقاء مؤجل .









لم يكن بدُّ من اللقاء الذي أحيا كثيراً من المشاعر المُتضاربة في قلبي المشتاق.. تمرُ الساعات ببطء شديد في هذا اليوم وكأنه عام يَمر، وأرى الفصول تأتي وتغيبُ في ساعاته بإمتدادتها، وتتركُ الذاكرة رغم ذلك أثراً فيَّ كلما تذكرتُ أكثر و أكثر حتى رأيتني خارج هذا العالم الذي يعيش فيه الناس.. لعالم مليء بالذكريات المتداخلة  ببعضها البعض ؛ أرى قلبيّ جريحاً، وأراهُ في أشِد قوته، وأراهُ مشتاقًا، وأراهُ فارغاً لا يعبئ بأحد في آنٍ واحد فيختلطُ عليّ الشعور لآخر يلتحمُ بيّ ويخالط الفكر والأعضاء... أتوقفُ، وأرى ما لم أستطع رؤيته فيما مضى ؛ تتداخل طرق المؤدية للمدينة لتكونَ طريقاً واحداً يقود للغاية التي نقصدها ، مهما اختلفت السبل التي تؤدي إلى شيء فهي واحدة.. وإن أوجدت لها أسماء أخرى.تذوبُ الأسماء التي لا تدل على الأشياء، وتنبتُ عليها أسماءُ أخرى.. تستنسخ الأماكن من مناطقَ في العالم لتكون في منطقة تستوردها، لكنها لا تزالُ في وطنها الأول رغماً عن ذلك.. أرى مُدناً كثيرة في المدينة، إنها مجمع للمدن التي لم يغب فيها شيء إلا اسمُ المدينة الجامعة، وصفتها.


عندما لا تستطيع أن تراني ، ولا تتذكر متى التقيت بي رغم أنك تعلم أن هناك شيء بيننا ؛ فهذا يعني بأنني متغلغل فيك، ومُتحد للحد الذي لا تعرفني به !. كثيرة الأشياء التي تؤثر ولا يُعرف لها مُصدر محدد وإنما يختلف فيها المتأثرون ، وربما لم يعلموا عنها، مع وجود أثارها في حياتهم.. قد يتطور الأمر فتكون انتماءً عميقاً لها. إن الطرق التي تقود لمدينة ما متحدة كل طريق منها ملتحم بالآخر إلى الذروة والغاية.
لم نلتقي مذ وقت طويل، لكن طرقنا مُتحدة، دوماً ما رأينا بعضنا بالشوارع، والأماكن العامة ، في المقاعد والمقاهي، في برامج التواصل ومواقعها وفوق كل شيء بالأحزان التي جمعتنا في المآتم مع أنّا لا نمتلك تلك المساحة " الكبيرة" من الذاكرة، ولا يجمعنا إلا القليل ! ، أننا نبكي لذات الأسباب، مع أنّا على الأغلب لا نعرفُ أننا نشترك في ذلك. الآن عندما أصبحتُ بعيداً عنك صرتُ أراك ماثلاً في الذاكرة التي ما فتأت عن صورتك . عندما لا تعرفُ سبب جراحك النازفة، تستمرُ في رؤيتها وتأمل نزيفها ولا تعلم ما ينزفها، فأعلم أنها لن تتوقف أبداً، إنها أنهار، وبحار مُحيطه . تصيرُ جراحيّ غِذاءًا، وخُبزاً طيباً يُبرء جِراحاً أخرى، يبرأُ الجرحُ الجرحَ، ويصبُ الجرح في بحيرة " الجراح " التي تسقي العطشى فيخرجون منها لم يمسسهم سوء. تأتي القلوبُ في ربيع فؤاديّ لتقطفَ من أزهاره، تنموُ أزهاريّ في قلوب متفرقة، فأعي وجوديّ في حيواتٍ كثيرة.. الآن يمكنني أن أرى بأكثر من قلب، وأن أُحس بأكثر من حياة ووجود. 


3، 
يبدأُ الضجيج في العزف على وجه الصمت المُطبق، حتى يصيبُ الرؤسَ صداع يخنقها فتخرج عن المكان التي ارتضتهُ، ويصيرُ منبوذا، ثم تبدأ رحلة البحث عن مكان آخر يؤدي الغرض الأول .. 
ضجيج الصمت الفراغ الذي يُخلفه .. الفراغ الذي يسمعُ منه دقائق المسموعات، إنك لا تستطيع الوعي بأصوات كثيرة في الضجيج، تصيرُ أسَ الضجيج في الصمت . اسمع نبضك، وأنظر أينَ يشير، سترى مالم ترى . يطلعُ فجر الجمال... وشاحه ذاكرتي، وردائهُ جسدي .


4، 
أحياناً يشعلُ في صدريّ الشوق، حتى يُرى على وجهيّ، ثمّ يسمى به، يقالُ : جاءَ الشوقُ وراحَ .. وعندما ينطفئ الشوق، وتسكبُ أنهار الحُب على العالم في فؤادي، يزدهرُ بصورٍ أخرى ليّ.. في بقاعٍ لم أعرفها. تنقطعُ الصلة بينَ أطرافيّ الشاسحة، رغم أنها أكثرُ الأعضاء اتصالا.


5، 
لم أرد أن أغيّب عنك، رغم أني لم أغب طرفة عيّن، كثيرة تفسيرات الحضور والغياب ، لكنها لا تشيرُ إلا إلى حاجات النفوس وذواتها بشكل ما.. ، إني غائبُّ كما تقول، لكني لم أفعل كما أعتقد، لأني في ذاكرتك، ولأني حاضرُّ بقوةٍ في قلبك الذي يريدُ قربيّ منه، إنها أسباب ابتدائية يتحدث بها الناسُ ويتناقلونها بينهم لكنها لا تمتُ للحقيقة بصلة.. إننا وفقاً لهذا المفهوم ، غائبين طوال العام، لا نتذكرُ أننا نحب بعضنا إلا في مناسباتٍ مُحددة سلفاً ، ولا نستطيع أبداً أن نخرجَ عن ذلك .. إننا محددون والحُب لا يعرف التحديد ، ولا الأوقات، إنه حاضر في كل مكان وزمان. نزدادُ في كل يومٍ عن رفض الاجتماع، بحجج واهيّة لا تقوم، ونريد أن ننهي تلك الاجتماعات التي لم نخطط لها سلفاً بسرعة البرق، وفوق ذلك ما زلنا نتحدثُ عن الحب وخلافه من " الأشياء " . إن أشدّ النفوس نفرةً هي تلك التي ترفضُ الإجتماع في مدارِ الأعوام، ثم تقوم لتحدده وفقاً لما تهواه، وتحاكم كل من لم يحضره بأنه نافر، لا يريد الاجتماع ! . أنفرُ عنيّ ؛ لأذوقَ طعم الحيّاة التي تخوضهُ بعض الكائنات الحيّة التي أعرفها و أُحبها، أتأهبُ لأستقبلني بعد عامٍ بالقبل والتحايا العظيمات ، ثم أنفرُ عنيّ ، أبحثُ عن وجهي الذي أضعته.. وعن قلبيّ الذي ما فتأ عن " الحب " مع الغيّاب .. أغيبُ عني، لأجتمع بيّ، خارجاً من المكان الذي ارتضيته، وعائد للمكان الذي نزعتهُ من ضلعيّ.. وصارَ وطناً لكائناتٍ أعرفها . 

6، 

ما يمكنني قوله: هو أن حُبك الذي ازداد في قلبيّ، جعل منهُ أكثر اتساعاً، حتى لأرى أنهُ ليحوي العالم بكل بساطة. مليء بالذكريات الجميلة، وببذرة الحب التي تجعلني أُحب من جديد . 


 







تعليقات