انحسار وارتماء







أتوقف عن الوصف؛ لأن الأشياء تداخلت، وصارت بشكلٍ ما، بعضُّ يدل على آخر، ولغة تحكي عن لغة أخرى تُدوي في الصدور العاجزة عن الكلام. لم يبقى من السفر إلا طريق مُتهالك يبعدني عن الغاية التي أعيشها، ويقربني منها أكثر، أبتعدُ فأزداد معرفة بما يحدث، وأقتربُ فأرى ما تحرك في صدريّ، وتعلم الحبو على ذاكرتي المُهملة . حنتُ الآن، ذا وقتُ كتابة جديد، يخرجني من حلقة الوقت، من دقة المكان، لامتداد الفراغ، لجذوة الصمت تنطقُ أخيراً عن العبير النامي على الوجوه التي تعلمت أن البكاء مرحلة ولت هاربة إلى السُحب التي تغسلُ الأرضَ من توقها إلى الماء.
أتوقف عن الوصف؛ لأن وصفاً كذا يولي، لتحينَ أشياء كثيرة قررت أن تتوقف عن الوجود قليلاً، تطلعُ للشمس، وتصبح مرأى كل عينٍ تريد أن تنظر. تريدُ ذاكرتي أن تنقضَ؛ لأنثرَ بين الجهات التي تشتهي مُروري عليها، أمرُ سريعاً، وأسحبُ وابلاً من الآلام التي تسكنت، وصارت يداً تكتبُ لي، وذاكرة تُعلمني العودة للكتابة.
ينتفضُ المكتب المهمل على زاوية الطريق الذي يمرُ منه ناس كثر، ولا يمرُ منه أحد يريدُ أن يمد يديه، أن يلقي تحاياهُ للذاكرات المُلقاة على جسده المليء بالنُدب، والآثار المُعلقة على جدران المباني التي ترنو إلى لقاءٍ بالقادمين الذين لا يعرفون شيئاً عن ذاكرة المكان الذي جمعهم مُذ خُلق.
يميلُ الظلام قليلاً ليكونَ ظلاً لي، وينحسرُ لأرى جسدي في مرآته، الظلامُ مرآة للمرايا التي تري الأعينَ كم هيّ جميلة عندما يتوجب لها أن تعود لترى، وأن تحسَ لتستشعر الوطن في المرايا المتناثرة على كل قرية ومدينة.
يا عاهل آلام العالمين، ماضٍ حيثُ لا طريق، تبدأ الذاكرة بالتشكل من جديد، أصوات خرجت من خدرها تنادي باسمك، وأصوات علت ؛ لأن وجودك سبب لوجدها، تتسلقُ الأصوات على صوتك حتى تصلَ إلى الحقيقة؛ أنك ما زِلت مُحباً فوق الفؤاد المتنعم بالحب، وأنك ما زلتَ عطوفاً رغم هبوب الرياح التي تكتبُ تاريخاً آخر لك، ولذاكرتك التي دامت في اتساعٍ يملئ مجراتٍ وأكوان من أفكارك ونظرك

تعليقات