سلام على الرياض


 





سلام على الرياض، على الحقل في جانبِ الذاكرة، في وتينِ الوقت يأتي بوجهك لمحةً من ربيع. مرّ يوم، مرّ يومان، بل مرّ عمر بطولهِ في شهقة وزفرة تعيثُ بالمكانِ عطراً موحشا. يُسكنني غيابك أسئلة تذوبُ في شواهدِ ما أرى، فإذا أتيتُ نوراً من مبلجٍ عتيق على خيوط الضوء تنثرُ مباهجي مورقةً بسنى ينهضُ قلبيّ عن وجدهِ إلى صمتٍ يُجعد جلده، ويصنع منها حقائباً تتشبثُ بأوراقها، بأقلامِ التلوين...وبرسوم الأطفال لا هوية لها؛ غير قرى صغيّرة بجدرانٍ من أحاديث تنسجها الجدات بسجدات الصلاة، بعبقٍ من أحلامهن الصغيرة محمصةً بقرنفلٍ وزنجبيل. جئتُ، وفي غبر الأيام لمحتُ شمعة؛ لحظة في سردابها تنتظرُ النهاية، كانت أعمدة الإنارة مضربةً عن العمل، والشوارع تضم جدائلها إلى نحورها طُرقاً تنسى بها ما كان، أما قلبيّ فقد كان ثملاً، يتراقصُ ويراقصُ فيهِ العالم الذي يصيرُ سراباً تارة، ويميلُ إلى أقداحيّ أخرى ليستوطنَ دميّ، ويغلغلُ جسده بجسدي، مُذ ذاك الوقت صِرتُ أخرج مِنيّ، لألقانيّ كغريبٍ تاه، يبحثُ عن وجهه في وجوه أخرى، ويتحسس صوته في الأصوات التي تسمعهُ حشرجات حروفه بين خبيئات السطور، وفي جذر الأوراق على كل شجرة عادت إليها كلمةً، أو قصيّدة تُغني فيها باسميّ فوق كل اسمٍ ليصبَ إليه عشقاً مسرمداً، فإذا خرج مِني المكان، في جحافل الدمعِ يرنو الفراقَ، حنّت مفارقها، وحنّثت دروبه عنه، ليعود إليها، تتوهُ الجهات عنه، فلا جهة في العشق يمكن بلوغها. أقيسُ قلبيّ، ويترامى إليه النوى، وجمراً من مدلجاتِ ما غنّى جوف المدينةِ، يقولُ: حيا على الحبِ إذ عاد من مُقفراتِ الدمع لأوطانٍ من شموع غافية تنفضُ عنها ضياعَ ما كان. لقيتُ فيّ من صب الجريدة موضعاً لحضن النجوم، تغفو قليلاً في مداريّ، وتسقي حرثها من فيهِ القوافلِ... ومن خطامٍ تجرُ المقاهي، وتقسم قهوتها في سحنِ الغافيّن بُناً كسحياً ما ذاقَ من ريق الضوء شهداً، وما قرأ في مدارج الغيّاب لهفتي. مرّ طيفي يجاوز البيوت، يدع المدى وشيئاً من ندى بحلوق الشبابيك، وخلف النوافذ يسامر في الصور توقها للكلام. نفضتُ منضدتي شيئاً مما وعيتُ يغيّب في صدر الغرفةِ، ويدع الجدران ذائبةً في مزارع الوردِ في كوبيّ الأسمر، تخلط قُبلي في الشاي حلماً ما مضى، يجلي وجهك للغضى خمراً، وريحاً من أثر الجنوب، تجوبُ الدروب، بشمعٍ غفيّر...وكسرة خبزٍ من أديّم فقير، حزينُّ يوقد من رملٍ يخالطُ أعضاءه ذاكرةً مدلجة، ومن صروف الوقت يضع لهفته عريانةً، تلاعبها الريّح، وتحملها في المحال ديماً. أوطد درباً ليّ، حتى يفيءُ وجه رحل عنيّ إليّ، من قلبٍ نابض إلى صدرٍ عظيم، ومن ذاك أرحلُ عنيّ، وتطوى الأزقة حبراً مُقفى. أوجد معناك حبريّ، وفيك كتبتُ نفسي مرّة أولى، حتى فقدت الأشياء رونقها...شيء آخر يدعوها لأن تبدل جلدها، من وقدةٍ للحديث آتيك مقبس دلالة، تهتزُ الحروف إلى حتوفٍ من سلبيلٍ، يروى منها من يموت فيها، من يُنَّعم في الغرق، ويّبرد بالجوى، على مراقدِ الصبابات تُهز أقلاميّ، ومن دمع الشموعِ تتخذُ وطناً للكلماتِ؛ مزاراً للمتيمين لا يقضونُ منه وطرا، ويطوفُ بالأخلادِ صوتُّ بعيّد، تنبتُ فيه الوجوه جريداً مُتخذ، وتسيح فيه الكفوفُ من أردية الغرباءِ مخمّرةً، فيها من كل قريةٍ عطراً وباب، وقُصاصات دهرٍ لا يريدُ الغياب. كشفتُ صدريّ عن صدريّ، وترامى للكواكبِ تغسلُ عنه " ذاكرته" ، وتشيح بأيديها عنهُ وما أشاحت قلوبها، ومن أكنة في ضواحيها يطيرُ في علياءه، زائراً كل الجهات. حننتُ إليّ، وبان شوقيّ في عيون سكان المدينة، وتركت الأبوابُ مشرعةً تقتفي عودتي، لكني لم أعد، وتجمعت الشوارع في المرافئ تشربُ من دميّ و تشرأب لوضحاء الحيِّ تقسم الخُبز على أيتامٍ كالأقمار يطوفون حولها والفرحة تذوبُ في أفواههم ألقاً، وتنبتُ في خصالهم لؤلؤاً ومن بارق نواجذهم يتوقفُ الحاضرون...وتنحصرُ الأبنية في حضن ساكنيها، يمد الليل ساعديه، وفي أعواد على جانب الممشى، تسعى الأقلام إلى الكلمات، إلى التوقِ للبعيد الذي صار مسيساً بالروح... وفي قيد الأنملة يملئ العالم رحيلاً، هكذا يفعل الفارق بينا أنّ نحب بعضنا ولا تريد الطرق إلا أن تنبع منا إلينا.  يا عاهل آلام العالمين، ماضٍ فيكَ إلى ألقٍ يبعثُ بكونك في سويداءِ القلوبِ كلمَ حُسنٍ يرددُّ ترانيم تدفقُ في الأشياء جمالها، فيأتكَ ربيعُّ من وجنتيكَ يُصفي جداوله، ويمايلُ حقوله البريئة، ومما كان يعودُ وقد بدلت الوجوه، وتغيّرت ...إلى أحلى منها.





تعليقات

  1. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    اخونا.. تملك لغة فوق الممتازة .. و بلاغة راقية للغاية .. لكن المشكلة تكمن في الصياغة .. في توظيف هذه الموهبة و الادوات البلاغية عندك .. انت تكتب كلاما ربما - اقول ربما - لا يعقلها سواك .. المفردات راقية لكن رصفها و تركيبها قد تم بطريقة معقدة .. لف و دوران .. عن نفسي فهمت القليل جدا من السطور التي تكتبها .. و غالبيته لم افهمه .. انت تمتلك قلم مميز بحق ما شاء الله .. لكن ارجو ان تنتبه لطريقة رصف الكلمات .. انا اقرأ للأدباء كالمنفلوطي و الرافعي و حافظ ابراهيم و حتى الجاحظ .. و الذي اراه ان صياغتهم مفهومة .. لكن صياغتك ليست كذلك .. معقدة و فيها التفافات محيرة .. بالتوفيق لك اخونا

    ردحذف

إرسال تعليق

علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...