جاءَ الصباحُ محملاً من أثاركَ في صدريّ، ينثرُ على المدنِ أضوائها، ويجلي في الوجوهِ أحلامها. جئتَ كوجدٍ بعيّد، مرّ ولم يزل رغم ذلك باقٍ، ينحتُ في المكانِ مكانهُ. مررتُ وحيداً، وعادت المدينةُ إليّ نبضاً يحكي للقصيّد مواجعَ الأقلام، وبراثن الأحلام.
جئتَ من شُباكِ صمتيّ حكايةً لا تُقضى، وكلماتٍ تعمى عنها الأذانُ المصغيّة حينما تفقدُ ذواتها في ذواتٍ أخرى. أخاطبُ فيكَ صوتيّ فيغيرُ بيّ موطنَ اللقاءِ، أمتدُ ويصيّر العالم بقعةً صغيّرة مني، لتتضافرَ وجوهُ كثيرة تصهر فيها لتكون وجهاً واحداً، صورةً عنكَ، ومع ذا لا أراها...
أشيحُ بيّ، ويغيّب جسدي في جببِ المواطنِ فسيلةَ عطرٍ سواح، يعلقُ في سددِ المحال؛ يوزرعُ على البيوت أسمائها. من ذاك الموجوعِ فيّ، خرجَ " الحُب" خالصِاً، يسعى، يدنو ويتدلى من على الأغصانِ ثمّاراً، ومن على العقولِ أفكاراً ولادة، ومن على القلوبِ جمالاً لا أحلى منهُ... من يديهِ نبتَ الربيعُ، وأستطالَ البقاء، وفي الخريف صبغ ألوانهُ البرّاقة، منثوراً في بسماتِ الأطفال، وفي ضحكاتِ الرضع، ومن اهتمام الأمهات يصبغُ أرديتهُ باهظة الثمن....
أشيحُ عنيّ وأولي وجهيّ قِبلكَ، فيفلق في طريقيّ إحدى عشرَ عيناً، وقواربَ مُزيّاة بالشموعِ، مع أوراقٍ تراقصُ الينابيع أناءَ الليلِ وأطرّاف التذكر.
طلعَ الصباحُ مِنكَ نيلاً، مُدت على أطرافهِ صباباتُّ إليكَ، وفي الخضرةِ غابَ الواصلونَ فيّك، وما علموا أنهم خلقوا فيكَ مرّة أخرى قلوباً مليئة بالعشق.
نظرتُ بيّ، وأستطلتُ النظر، يال صدريّ العالمُ، أفتح عينيّ ولا أرى إلا فراغاً يتهادى إليّ، وأكتبهُ، صوراً حية، ونقاءً يعكسني في كل آخرٍ رآني.
جئتَ صباحاً، يُعلق المساءاتِ على أيدي المصابيح، ويكتبُ حلمه على خواصرِ الأرصفة، وفي مُقلِ المقاهي يرشفُ بعضاً منهُ خمراً يغيّبُ فيه نفسه ليطلع منها في آخرٍ أحبهُ، ثم صارَ منهُ فؤاداً لا أوعى منه، يا عاهلاً للآلام تكتبنا فيكَ لنردَ إليكَ لغةً نقيّة لم يمسسها سوء، ولم تمسس سوءاً قط... يا آخراً سموتَ عنكَ، حتى وجدتَ العالم قِطعة صغيّرة منك كحبة سكرٍ ذائبة في كوبٍ أُعد لتكتبه، وكان من حبّرك في موطنِ اللقاء يُفلق منك ليلقاك الآخرون ذاكرة لا تنسى، وجسداً نامٍ في نفوسهم حيّن تشتاقُ، وتخرج من أفواهها حلو الكلام.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...