إن جاذبية قلبيّ تتفوق على جاذبية
الأرض بملاين المرات، بالرغم من ذلك فالمخلوقات فيه تستطيع الطيران بسهولة؛ إذاً
هي مسألة مبدأ، وربما طبيعة.
هذه الجاذبية المتفوقة تجعل الأراضي
التي أسير عليها متشبثةً بيّ إلى حدٍ كبير؛ لذلك لا يخلو وقت لا نتبادل فيه
الأحضان بكل سعادة ونحن نقوم بأشياء أخرى، هكذا يبدو الروتين مليئاً بالحنان
والطيبة.
عندما كنتُ أستقل مركباً كان يميل إلى
جهتي دوماً، حتى تلك الجهات التي نذهب إليها تلتفت إليّ، وأراها تخوض سباقاً مع
الطريق حتى تكون أقرب إلى بصري.
وعندما أسافر، وأتنزه، فإن كل العيون
تتجه إلي بسهولة، لم أعد أهتم كثيراً بذلك فإني أعلم أنها عملية لا إرادية تشارك التنفس
في السلالة، وكنت أقول في نفسيّ ربما أنا أبرز المعالم السياحية في العالم، لكني
أعود ضاحكاً من هذه الفكرة، وأستمر في متابعة المباني عندما تخرج أرجلها لتتبعني،
والقمر الذي يقتبس من وجهيّ ليعكسه على المدينة، وكوب القهوة الذي يحمل شيئاً من
ذاكرتي ليملك الصفة اللازمة ليكون منبهاً...
وفي منزليّ الصغير، تتحول كل الغرف
لتكون غرفتي، فقط كل شيء ينتمي ليّ بشكل ما، ويحمل أثراً منيّ، كما أنه يتوجه إليّ
إذ أنا سر الجاذبية.
أصدقائيّ بشكلٍ ما أصبحوا ملتصقين
بيّ، حتى ذابوا في صدريّ، فلم يعودوا يحملون ذات الصفات والأسماء التي كانوا يدعون
بها قبل صداقتنا.
عائلتي لا تتحدث إلا عني، فمذ مئات
الأعوام لم يتحدث فيها عن غيريّ بهذا القدر، وأصبحت تصرفاتي، وأفعالي دليلاً
ومقتبساً فيما يكون من النشاطات، والقرارات.
حتى تلك النقاشات الصغيرة التي أفعلها
بدافع الشغف والمعرفة تتحول إلى حواراتٍ لا تنسى، لطالما يذكرني الآخرون بكلماتٍ
قلتها مُذ زمنٍ مرّ، بالرغم أني لا أتذكر، إلا أني أستمر بالابتسام، فأنا أعرفُ أن
هذه الجاذبية ستتبعني الكثير، والكثير في القادم مما يأتي.
وعندما كنتُ أذهب للجامعة، كانت
الجامعة تأتي إليّ بشكل غريب، كانت المسافات تختصر، فأصحابي يسلكون طرقاً قصيرة
ليحضروا مبكراً، وأقوم أنا باختيار أطول الطرق، ومع ذلك أصل أولاً، وعندما يزداد
غيابيّ في أي مادةٍ في الجامعة يقرر الأستاذ أن يرفع ذلك عن الطلاب رأفةً بحالهم،
وعندما لا أفعل فالطلاب مهددون بالحرمان، كان ذلك يتكرر كثيراً حتى أصبح
اعتيادياً.
إن قلبي الجذاب وبالرغم من شسوع
مساحته يحس محبوبيّ أنهم عائلة واحدة، فلا يهم هو الاتساع إن كانت اللغة هي نبض
القلوب المسقية من نهر الحُب.
إن جاذبية قلبي تدعوني لأن أكتب مرّة
تلو أخرى، إذ أقلامي تهتز إن لم أفعل، وتنتفض الأوراق وتصبح شاحبةً، وعرضة إلى أنّ
تكون مقضومة أو محروقة بفعل الشوق، فأسارع لأنقذها فيكون ذلك الغيث الذي يعيد
إليها الحياة مرّة جديدة.
وعندما أسمع هاتف قلبي أعلم أن هناك
قلباً ينتظرُ أنّ أمده بحبال الوصل مرّة، تلو المرّة الأخرى، لذلك أكون دوماً
مبادراً في هذا، وإن كنت من يبدأ فعلياً، فالقلوب التي أصلها تشتاق لأن تحضن صوتيّ
برفق، وأن تلقاني لتستشعر خروجها من هذا العالم المادي وسير الحياة إلى عالمٍ آخر
مليء بالحب، ومليء بالجمال.
تذوب المحلات والبيوت والشوارع في
حينا، وكل الأشياء الأخرى، والناس، ليكونوا جزءً من كوب الشاي أمامي، وبعضاً من
قطع الحلوى، والبسكويت الذي أفضله، وشيئاً من الفلم الذي أتابعه بطرف عينيّ على
التلفاز، فعندما أخرج ولا أرى أحداً أعلم أن الجميع ينبض في صدريّ، وأني أكثر
المجتمعين بالعالم، من هذه المساحة، وفي هذه الجاذبية وعيت أن حُبنا مترعرع على
نحوٍ غير مسبوق، وأنه ممدود في كل مكانٍ تتوجه إليه قلوبنا، ثم يصير منيّ موطناً
ومعاداً. يا عاهل آلام العالمين، ترفق في مشيك، ترفق في نطقك، فكل خطوة وكلمة
تحكيها تزيد اجتماعك مع آخرين وجدو فيك وطناً، ووجدت فيهم عشاقاً يسكنون أحسن ما
فيك.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...