ذاكرتي المخرومة والسعي الوجودي للاختلاف!




لقد ظننتُ أن ذاكرتي مخرومة بثقبٍ أسود يبتلع جل ما أعيشه، لكن سكوني وإمعاني النظر دلني على الحقيقة؛ أنّ الأشياء التي تمّر بي ترتبط بوجوديّ في اللحظة، لا بكونها ذات أهمية، أو حتى منعدمة الأهمية لدرجةٍ مُلفتة للنظر. 

عندما أتوجه بنظري إلى مكانٍ ما، يتغير، ويرتدي هنداماً جديداً، لذلك أراه أكثر جمالاً على أي حالٍ يكون عليها، وعندما أقوم بلقاء الناس يتغيرون، و يبدءون بقول كلمات لم يقولوها قبل ذلك، و ينظرون إلى مناطق أخرى لم يكونوا يشاهدونها وكأن وجودهم يتغير برمته؛ إنهم بعد ذلك يرتدون وجوهًا أخرى تترقرقُ مِنها اللغةُ التي يحكون، و يتصبب منها المعنى الذي يرومون. 

هل أنا مُلهم لذلك الحَدّ؟  ربما، وربما ليس لدي هذا الدور على الاطلاق إنما تتشكل رؤى الناس تبعًا لما  يسفرون بهِ من حِسّ مصقول، وذاكرةٍ تسعى في كلامهم وما يصنعون لذلك تجد لكل وسطٍ إجتماعي سمتهُ التي لا تغيب عنه والتي يصطبغ بها الحضور ليكون موجودًا في نطاقها إن لهجةً وإن فكرًا وإن حسًا وإن سلوكًا يسري بالأشياء لتكوّن سِمتها. 

يبدو العالم بتفاصيلهِ ساحاتٍ مرونقة تستوعب هذا الكم الهائل من الاختلاف البشري، والتنوع الحضاري الذي كما يصقل البنيان يدبُ إلى الانسان ومعملاً يديهِ فيه تغيرًا وتبديلاً؛ هذا الكائنُ الذي يبدأ يعرف ذاته وفقًا لمعايير حياتيه صقيلة باللغةِ وبالسلوك وعمومًا بالثقافةِ التي تتضوح مِن جوانبه و يتضلعها نفسًا وحياة... 

مع ذلك وفي هذا الوسع العامر، والحياة الواسعة التي هيئت للإنسان من لدن الخالق الحكيم سبحانه، إلا أنه يعمل نفسه في المختلفات ويتوجه بنظره للمتناقضات ليحقق الهيمنة الثقافية المُنتجة ذات الأثر، لا يمكننا التفسير بغير ذلك! 

ولو أن التحورات الإنسانية التي تسعى لصهرِ المكونات ببعضها البعض تحاول أن تلغي الهويات في  سياق هوية جامعة جديدة إلا أن الطموح البشري يجعل الانقسامات حاضرة لتغذي الشغف الذاتي للوصول.

وإن يكن حلّ لما يدور من الصراع فهو الحُب الذي يذيب كل الحدود، ويصبغ رؤى الإنسان بالشاعرية اللطيفة فيصبح تواقًا للجمالِ وباحثًا عنه وموجودًا في كل شيء. 

 



تعليقات