صباح المنبه المعطوب.







صباحُ الخيّر،
لم أستيقظ على صوتِ مُنبهٍ هذه المرّة ؛ فكل تلك الساعات التي ابتعتها أودعتها في وقتٍ قصير إلى سلة المهملات بعد إذ أًصيبت بعاهاتٍ مُستديمة لا برء بعدها. يشيرُ قلبيّ إلى الرابعة والنصف صباحاً، انه يدق بشكلٍ أكثر انتظاماً ليقول شيئاً ما، أو يعبرَ عن حُبٍ مكنون في بواطنه أبى إلا أنّ يطل بوجهه على النجوم التي تتسلل خفيةً إلى شُرفتي القاتمة. نهضتُ من سريريّ، ونفضتُ عنيّ حلماً ارتدى جلديّ ليجعلَ منيّ مصدرَ ضوءٍ بريء يسعى في المنزل إلى موردِ الماء. لا أدري إلى أي المكاتب أتوجه حتى يكتبني الورقُ بشكلٍ ما، ويرسم سُحنتي على القوافي والحروف؛ كما يفعلُ دائماً، فليسَ ثمّة شيء غير ذاتيّ لأخطه وأرويه. وبينما أخوضُ سباقاً بينيّ وبينيّ، تشتعلُ منافسةُّ جدليِّة في عقليّ عن الأماكن الخفيّة التي يستعمرها الحُب في نفسيّ، وبعد إذ عبرنا العالمَ ملبين هذا النداء الصارخ، تذكرتُ أخيراً أني باحث عنيّ لا غيّر؛ فما عسى الحب أن يكون غيري؟.  وبينما تتابع الأشياء إليّ؛ لتلقيّ تحية الصباحِ، أمدُ يديّ مرّة وحيدة، لأعلّم على كل الوجوهِ ابتسامةً يلقوني بها في المرّة الأخرى. بدأت الشمس تطلع ببطء حتى تدفن النجوم بيديها النيّرتين، ولتبينَ في عينيّ موطنَ العشقِ الذي يطوفُ إليهِ المحبين في طرفِ الليل وأوسطه. أحملُ كوب قهوتي المُرّة، وقطعةً من الشوكلاته المُحببة ، ثم أقفُ عرياناً أمام مكتبي ومكتبتي ، لتتدفقَ الأنهارُ من يديّ كلاماً جميلاً ، أكتبُ حبيّ للعالمين كيفَ أصبح حيّاةً بتفاصيلها، تنعشُ بيّ أسمى الألق، وأحلى الصفات ... ثم تجوبُ في قلبيّ موارد النورٍ تبحثُ عن وجهيّ في الذاكراتِ التي سكنتني ثم وعيتها مكتوباتٍ تعودُ إليّ، وذاكرةً أخرى تقرأ فؤاديّ في نفوسِ الآخرين، وبما أنّ ذلك  لن يستغرق طويلاً على الأغلب، فإنّ الوجوه الجميلة تتابع في سيّر عجيبٍ إليّ حتى تملء المدينة على بكرة أبيها بالجمال، وتلقي عليّ التحية بعمقٍ كبير، ثم تختفي شيئاً فشيئاً، فلا أعودُ قادراً على رؤيتها، إلى أن أغمدَ قلميّ، ثم يُسحب المكتب إلى صدريّ، وتطوى الكُتب إلى معصمي، ويصير العالم برمتهِ سريراً وفيراً يُنادي فيّ النعاس... وأعود مرّة أخرى لأغمضَ أجفان النجوم، وأغنيّ من قصائدي ما يُغفي الشمسَ على ذراعيّ، ويبثُ في الوجودِ أحلى اللقاءات التي سكنتني ثم فاضت بالمدى شعراً جميلاً .

تعليقات