أحنُ إلى عنيزة، لجدي الفياضِ، لبيت جدي التي عاثت بهِ "الفراقاتُ" وقضت مِنه الوطرَ، لشجرةِ الليمونة التي ترحلت دون استئذان بتواطئٍ مع المِنشار، للنخيلِ الباسقاتِ في باحةِ المنزلِ تحيينا بأعسبتها كل حين، للنسيمِ، للعبير الذي يهزُ كينونتنا فتؤذنُ ثِمارًا وديمةَ لقاءٍ مبثوث بما نلقى، للمكتبةِ الدرة، لكتبِ جدي، للوجودِ الذي غابَ واستحل وجودًا آخر كتّابا. استيقظتُ أم أوقظتني عنيزة؟ ولم يأذن الفجرُ للنورِ بعد، غير أن طيفَ ذِكرى تجولُ بالمكانِ وتطرقُ في رأسي الفِكرَ... عليّ إذًا أن أنفض هذه الوجوهُ العالقة في صدري، وأنسى ليومٍ صوتَ المدينة هذه العشيقة التي لا تبارحني كل برهةٍ، فالرياضُ تجعلني مشدودًا إلى تفاصيلها الحلوة للا نهاية. أحنُ إلى عنيزة، للرحلاتِ القصيرة بين قُراها وطرقها الزراعية، للحديثِ الذي يفيضُ بهِ جدي عن ذكرياتهِ الشهد، وللأهازيج القديمة التي يصدحُ بها المكانُ في صمتهِ قبل الجهرِ، وللحبِ الذي يبلغُ مداهُ أن لا حدّ له. أحنُ إليّ، أهزوجةَ صُبحٍ في أفواهِ النداءاتِ، دورةَ طقسٍ تأخذُ من العبقِ كل شيءٍ شيئًا ثم تجمعهُ إليها فيحالُ من كل "جمالٍ" جمالا، ومن كل طيبٍ طيبا. أحنُ إليّ، لغةً تغسلُ القلوبَ التي عرفتُ بماءِ الحياةِ عِشقًا وضمّا لا ينتهي، أحنُ أحنُ أحنُ يا عنيزة، يا حديقةً قلبي، يا جوهرةَ المعنى الذي يخط وجودي في الكلماتِ، يا حلوةً تمتزجُ في لغتي. أحنُ إليّ، مدينةُ العشقِ التي تحكي للجموعِ قصةَ البيتِ الصغير الذي ينادي في كل شهقةٍ صبحٍ سلامٌ عليكِ يا عنيزة، يا ديمةَ القلبِ، ونبعَ الأشياءِ الجميلة، يا مُنعمةَ الحكاياتِ المتورداتِ، ويا سيدةَ الربيعِ الذي يبقى في سددِ النفوسِ عليا. مرّت الأوقات يا بيتنا، لكن الزمن أحيانًا وإن مرّ لا يمرُ، فما زلتَ بصورتك الأولى بهيًا، ورغمًا عن الفِراقاتِ، عن الصمتِ الذي يكتبُ في دجاك كينونتهُ، إلا أن في كل مِنا جزءٌ مِنْك...شيءٌ نبتَ في الأغوارِ، وما زالَ له طلعٌ نضيد...يا عنيزة، هل تتذكرين الصبي الذي يلاعبُ الكرةَ وتتضحكين؟ ، هل تتذكرين الإجتماعاتِ التي لا تنقضي والسهرَ الطويل؟ هل تتذكرين، الكلماتَ التي حكيتُ وبها تتوشحينَ الضيا؟ وأيامًا طِوالاً ما قضت وفي قلبينا تتوسدُ النعيم ، هل تتذكرين الممر الذي جالستُ فيهِ "النورَ" لأسمّع بالصمتِ الحكاية، ولأغزلَ بالكلامِ الرواية، ولأحبكِ عشقًا فوقَ العشقِ الذي تعرفين... وهل رأيتِ كيف مس ذاك الطفلُ جدارن البيتِ ليعيك في قلبهِ، وعندما يغمسُ يديهِ في التربةِ ليمسَ صوتكِ في الحيواتِ، ويضمَ جسدكِ في جسدهِ الصغير. هلمي إليّ يا عنيزة فقد حان اللقاء، وفي وصلكِ النقا أزهى وأشهى. ناديني في التفاصيلِ أجبكِ مِنها، وفي غيدِ النخيلِ تجدين الجوابَ...القلب الذي هوى ثم أتى في كل شيءٍ ليلقى حُبه الأول، حياته، تفاصيلَ ذاكرتهِ اللبنية، ليسكرَ بالجمالِ سعيًا إليهِ "بالوجودِ" أنادي، يا عاهل آلام العالمين يا وطنَ الصبابةِ أنهمر إلى مُدنك التي تهوى ربيعًا للربيعِِ، ووطنًا للأوطانِ التي تعتريك.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...