كتابتي تتصل بكورونا !
العُمق هو الحالةُ
الوحيدة التي داوم خالي على وصفِ كتابتي بها .
.. كنتُ كلما أنهيتُ نصًا
جديدًا قال لي : بهذا الغورِ السحيق لن يقرئك أحد! لكنه مع
ذاك واصل القراءة ليّ حتى الآن .
وكنتُ أقول في كل مرّة، ومهما اختلفت الطريقة: كيفَ لنا أن نعتبر
الكتابة الأدبية إذا كانت تشبه أي كتابةٍ غيرها، على الأدبِ أن يحرك البحر المكتنز
في كل إنسان، ولا يكون ذلك بالمباشرة كأي كلامٍ ننطقه ولو أدرجناه تحت أي صنفٍ
أدبي!
في المدرسةِ انزويتُ، تكادُ زوايا الفصول تبتلعُ جسدي الصغير الذي
يلتحمُ مع الظل ليشكلَ وجهًا رقيقًا للصمتِ، استطعتُ بعمقٍ أن أنفذ إلى بصيرتي من
هذا المكان، لأعيّ التحامي بالأشياءِ، واتصاليّ باللغةِ من جهة المعنى، فلكلِ
كلمةٌ حياة مترامية، وجودٌ متصل، ومكنونٌ متحول من التراكيب التي تعيدُ شكلها كل
مرّة بما يلائمُ المرام، لم أرغب أن أنفك عن شعوري العميق بالأشياء، أن أدلف إليّ
حتى أصل إلى الفراغِ الذي يكونُ حتى اللا نهاية، فهو يتشكلُ خارجَ حدودِ الزمن
ليتصل بالشعورِ في قلبي ..
لذلك استمريتُ رغم ذلك بالكتابة بهذه الطريقة حتى جاء كورونا، وأتصل بكل العالم
ليقول: أن قريتكم الصغيرة لن تبارح وجوهكم، وصار على أهلُ الأرضِ ومهما اختلفت
مشاربهم وثقافتهم أن يلتزموا بالهوية الجديدة بالكمامِ والقفازات، وأصبح البشر
فوقَ تباعدهم الذي وهبتهم إياهُ الأجهزة الرقمية أكثر ابتعادًا بالأجسادِ، وأكثرَ
قُربًا بكثير بالقلوبِ وبالشعور، أشاهد التلفاز
أحيانًا وأرقب العالم من أقصاه لأقصاه كيف يتحد في مواجهة المصير. وكيف يختطُ
البعض طرقًا أخرى يجمعها أن المُحرك موضوع واحد قد يتبخر في أي لحظة!
جاء كورونا ليقولَ أيضًا إن
كتابتي التي تتخذُ شكلاً مُتصِلاً بالوجودِ وجدت لهذه اللحظة، إنه الشيء الذي جعل
الحياة برمتها يتغير، وتعيد كتابة وجودنا من جديد بطريقةٍ جديدة.
أقرأ بين الفيناتِ كتابتي، لأعي تشكل قلبي الجديد، أن أصل إلى ذاكرةٍ
عميمة تسعى في مرجِ جسدي، وتتصل بالأجسادِ الأخرى بالكلماتِ التي ترتويها، وتصير
مِنها وطنَ صبابةٍ وحب، ومن هذا الجذر أعودُ في كل ذاكرةٍ ذكرى، وفي كل قلبٍ نبض،
وفي الحياةِ مبهجًا جميلاً .
أغلقُ الباب، أنادي الكلمات، وصوتُ مكيف الشباك
المرتفع يضعُ من نسيمهِ على الكلمات، التي تستعد لنافذةٍ جديدة لتبلغ في العالم
منتهاه بالقراءةِ وبالقرار في قلبٍ شغوف.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...