٧،
القلعة التي أنشأتها من رمالِ الشاطئ المهجور أخذها الموج للبعيد شيئًا فشيئًا، لكن الرِمال بقيت لتتقبل مشروعًا جديدًا لبرجٍ مشيد، أو تلتحم لتكون مشهدًا للأرضِ المبسوطة التي لا تتذكر خطوات العابرين عليها من الكائنات أبدًا، ورحتُ تأمل تحت مضلةٍ بالكاد تتحملُ هبوب الرياحِ عليها إذ تتمايلُ كعودِ خيزان كيفَ لما تكون في نفوسنا أن يتبدل ويتحوّل بمجردِ أن نغير محله ونستخدمه بطريقةٍ جديدة! وكيف يمكن لأعواد الكبريت أن تصنع أشكالاً كثيرة ثم إذا احترقت ذرتها للرمال تأخده الرياح الطمّاحة معها لتكتب قصةً جديدة!
قرر صديقي العزيز أن يطلعني على قرارهِ المُبهر، كيف جزَ لحيتهُ كما يفعلُ أي شابٍ في مقتبل الحياة دون أن يكون لهذا القرارِ أيُ أهميةٍ تذكر لكنه بالفعل شاهد وجوهًا كثيرة قد تغيرت لمجردِ أن رأتهُ بهذا الشكلِ الجديد، وخال أن البشر إنما يتبعون الصورةَ فيما يرونه فكيف لبعض شعيراتٍ أن تكون سببًا في تغير ذاكرةٍ بأكملها، بل كيف يتحوّل رأيٌ شرعي من متخصص عاش جل حياته في ردهِ الكتب العتيقة إلى الهوى الصِرف حتى اتصل عليّ ليخبرني أنه اتخذ القرار المصيري أخيرًا وفقًا لما يعتقد اتباعًا لأدلةٍ كثيرة. لا يمكننا أن نقيم القرارات وفقًا لما نراه، فلكلٍ بيئتهُ التي تضخم وتصغر الأشياء وفقا لما تعي.
وبتُ أستغرب من هؤلاءِ الذين يجعلونك في سياقٍ آخر بعيد في كوكبٍ لا يوصل له بسهولة لأجلِ مظهرٍ لم يتفق عليه إلا ذهنهم، وكيف للحصانةِ التي يضعها المرء لنفسه لأجل امتهانهِ أفعالاً مكرمة أن تسقط في أول اختبار!
وتذكرتُ بالعمقِ كيف دعوتُ إلى الاتصالِ من لم يؤمنون يومًا سوى بالتشرذم والانفصالِ، وكيف للواقعِ أن يتبدل عن رمتهِ فقط لأنك قررت السعي أخيرًا بطريقك الذي يدلُ إليهِ قلبكَ الدليل، وكيف يتهاوى الكثيرون في مهبِ النسيان كأوراق اللعبِ المُهملة!
لقد تغيرت الأشياء كثيرًا، أسفر لي المعنى عن النبع الرقراق في قلبي كيف يكون صبًا للهَوية التي يعشق، أن يكون لغةً فقد بتُ أقول: في قلبك الذي يقرأ مستقر الإجابة، هذه اللغةُ مرآة لما تحوي وما تنوي!
يبدو أن المساء قريبُ الانصرافِ إذ أخذت السماءُ بالاحمرارِ خجلاً لرؤيةِ القادم الجميل كيف يشعُ في سويدائها بنجومه وأقماره المتلئلئة، وكيف تهلُ عليّ ذكريات جميلة مع انعكاسِ ضوءِ النجومِ على المياهِ الصافية وهكذا غبتُ في التفاصيلِ فأصبحتُ رملةً في عمقِ هذه التربة وقطرة ماءٍ سابحة في هذا اليم اللطيف فلستُ شيئًا سوى هذه اللحظة التي ينبضُ بها فؤادي ردحًا للجمالِ و للكمالِ .
قررتُ العودة للمدينةِ بعد إذ قرب الليلُ على الانتصاف، عليّ أن أستعد لبعضِ الرحالات الصباحية التي أقضيها في البحثِ عن مكتبٍ جديد، لكني وعندما عدتُ تقلبت كثيرًا في فراشي الذي أكاد أجزم أنه يريد أن يقول شيئًا إذ لا يمكنني أن أنام لكنها الكتابة التي تعود من حيثُ لا أدري لتقول هيت لك الآن يحل عليك السلام.
أنفضُ عني هذا الصمت، أخذ بيدي المترنحة نحو المغسلةِ ذات الماء البارد، ينعشني أن أجد في لغواء الصيف رمقًا منعشًا وقد أخذتُ بيدي عصيرًا مثلجًا بالتوتِ البري الأزرق، وأمام شاشةِ الحاسوب، تذكرت كلماتٍ كثيرة، معانٍ غائرة في صدري عن الأشياء... وجلسةُ المساء مع الموجِ الشهي والرملِ الطري ومع القعلة التي انسابت في البحرِ فصارت أعظم تشيدًا وأنفع مكانًا وأعلى مكانةٍ لا يبلغ أسوارها طامح إذ رحلت مع الغمر بالمياه لتكون في كل التفاصيل.
وذهبتُ أتأمل حالَ الناسِ كيف يضعون الحدود ثمّ يقرروا كسرها لأنها لم تعد صالحة، وكيف إذا فعلوا ذلك انقض عليهم الآخرون وكأن الحياة قد انتهت تحت ظل لحيةٍ ضاعت، وكلمةٍ قد ألقيت في غياهبِ جبٍ لم يسمع له صدى أبدًا طيلة الزمن الراحل الذي لا يغيب.
أجز عنّي جلدي تفاصيلي وذكرياتي وجهي الذي عرفتُ معلبًا إياها في طردٍ إلى المجهولِ الذي ينتظر المجهول الذي كتبته إلى موقع وأرقام كيفما يتفق وفق دليلٍ مسرّب، يأتي ساعي البريد ليأخدني معه دون أن أعي أين سيأخذني وأنا باقٍ بلا وجه ولا هوية سوى هذا القلب الذي يشعُ ويختم على لغتهِ بفصلٍ جديد للعشق.
يا عاهل آلام العالمين يا وجهَ الفراغ المنبث للتفاصيل حي عليك الحب ربيعًا ومتخذًا فما الذي تتذكر وما الذي تنسى وأنت في اليوم الوحيد تسعى للا منتهى !
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...