٩،
اتصل بي برج الميزان وأخبرني أنه لم يستطع أن يجد رِحلةً إلا في الثلاثين من أكتوبر، وأن عليهِ أن ينكبَ باحثًا عن ذِكرياته الخمس والسبعين الفسيفساء التي يضيء بها سحنةَ العالم بالجمالِ وبالدلال، و ليرتدي حذائهُ الرياضي ليقذفَ بالعذراء بعيدًا حيثما كان، ذكر لي أشياء كثيرةٍ عن التحولات التي اعترتهُ منذ مئاتِ السنين حدّ الآن، لكني استأذنته بالاتصال قريبًا فلي موعدٌ مع المثلجات.
ذهبتُ لابتاع بوظةً بالتوت البري من المولِ التجاري شمال المدينة ثم جلستُ بالمقاعد الخارجية للمحلِ والرذاذُ البارد ينعشني للثمالةِ بينما أشاهد تويتر وقرأ تغريدات المذهولين مِن تغير أبراجهم فهذهِ تحلفُ أنها مستعدة لتدفع الأموال الطائلة ولا تكون العذراء، وآخر يقول كيف أهبط مِن ملكي والنار إلى المياهِ العميقة والمشاعر اللطيفة... ما زلتُ ضاحكًا على هذا التبدل البشري وأرى وجوهًا جديدة تستعدُ لتخلع وجوهها وترتدي وجوهًا أخرى تتوائم مع الأبراج الجديدة، بينما تضحك طِفلةٌ قمرية الوجه وتلعب في القطارِ السريع الذي يذكرني القطار الذي أركبني إياه أبي كثيرًا ثمّ حزمَ لمدينةِ ألعابٍ أخرى دون أن يلقي علي تحيةَ الوداع!
لم أرتدي وجهًا آخر، فوجهي في كل وجهٍ ومضةُ حسن، ووجهي في كل وجهٍ ذاكرة بهاء؛ لذلك أنصرفُ ببطء و أترنم بخطواتي التي تشكل وجهَ الميزان الجديد منعكسًا على الكوكب الأزرق الذي يفتشُ عن نجومهِ في درب التبانة، نجومه التي تتغير وترتدي أجسادًا ووجوهًا جديدة!!
عدتُ للبيت لأصير في موعدٍ مع لعبة كراش، أحطم العُلب الخشبية لأحصل على الفواكه وانتعش، وفي إحدى المرّات حصلتُ على الميزان بكفتيه ولم أعلم لماذا يتحد كوني مولودًا في أكتوبر مع القانون في دفتي هذا الميزان الذي يحمل الرقم (٧٥) حتى نهضت الكلماتُ مِن جسدي، الكلمات القديمة التي قالها الأجداد وهم يحسبون النجوم في بيوتِ الطين، وبملء المزارع الممتدة على وسع البصر والبصيرة تَغذى عليها الأفئدةُ والأرواح وتطيب بها الأجسادُ واذوق التمرَ الملون، والنبق، والحياة التي تمشي الهوينا بالتفاصيلِ والناس، والبيوت المعمورة في تجاعيد الوجوهِ ومنطق الأفواه.
عدتُ للغرفةِ التي تبدلت وصارت كفتي الميزان في تمتد في كل مرّة أوجه بها بصري لمكانٍ آخر، لا يمكنني مواصلةَ اللعبِ فهوقا هوقا يخبرني أنّي لن أستطيع مواصلةَ اللعب مرّة أخرى دون خيارات… أمددُ يدي نحوَ الجِدار لكنها لا تصل فهو يبعدُ عني خمسًا وسبعين سنتي مترًا، إنهُ الحدّ الذي لن أبارحه ويصبغ كلماتي برفقٍ مهول نحو الحديث الذي أنتظره من الروح، أوصال الامتداد حتى أغيبَ مع خيط نورِ المغيب غسقًا نحو الانبلاج الجديد!
تتقاطر الكلماتُ من يدي كمزيجٍ شمعي يحوي جملاً ويتسلق كشجرةِ العنب على الحوائط، ليغير تكوين المكان برمتهِ، فيلون ذاكرتي بميلادٍ جديد، وبأدبٍ فريد، فانشط من عقالٍ إلى الكتابةِ ملاذَ قلبي إلى الترانيم التي تعيد صياغةَ الأشياء في عيني وتنفذُ إلى بصيرتي فأسمعُ صوتَ روحي؛ إن ميلادي الوجودي هو اللحظة الأولى التي كتبتُ فيها وعشقتُ فيها ما كتبتُ.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...