يا غيهب النور هلّا انبجست ؟






١١، 



ولدتُ باسم هيثم؛ الاسم الذي يحمل معانٍ كثيرة في جعبته، يمكنك للآخرين أن يجعلوني ابنًا للعقاب أو الصقر أو الأسد حتى كما كنتُ اسمعهم يقولون لي في طفولتي أيها الأسد وعندما كبرتُ علمت أن من معاني اسمي الرملة الحمراء والتي فسرّت لي احمرار خدي أحيانًا في عدة أحوالٍ وعلى أي حالٍ كان وعيي بالتنوع هو بداية الحكاية الذي حملني معانٍ أزخر مما عرفتُ.


عشتُ مع تعدد المعاني هذا فقبلتُ في داخلي أن لي أسماء كثيرة وإن كانت تنطق نطقًا واحدًا إلا أن لكل منها مدلولاً آخر مختلفً، بالأخص أن لجدي طريقةٌ فريدة ينطق بها اسمي فيكسر فيها حرف الهاء خلافًا لما ينطق به أبواي بالفتح؛ غير أنه وحتى وافته المنية كان يناديني في كثير من الأحوالِ غيهب، ويرى أنه اسمي الذي يجب أن أنادى بهِ قائلاً: هذا غيهب، فعلمتُ أنّي أحمل الكثير في جعبتي كما يحمل سواد الليل الكثير، أخبرني خالي حينذاك أن غيهب أعز أصدقاء جدي والذي وافته المنية شابًا ففقهت أن الحبّ الذي ينمو بالسويداء لا بدّ أن يشب عن الطوقِ خارجًا لمعانقةِ النور.


كنا نجتمع في البيت الصغير وأمام غرفة جدي علقت شجرةُ العائلة فلا أمر إلا وقد علق ذهني في جِذرها الممتد لقرى ومدن مديدة، وكنتُ أقول لجدي أيكون اسمي بالشجرةِ غير اسمي بالبيت الصغيّر؟ 

فيقولُ لي: أن تعددت اسمائك يا بني فلا يتعددُ معناك، فدمك واحد، و منبتك واحد، وديارك واحدة بامتدادها… ان تعددت اسمائك زخر معنّاك وركز ولم يتبدل! 


مضيتُ كاتبًا لا أفرق بين أصلٍ وفرع وأتحسس دمي بالمحاني لغةً ووجودا حياةً و أنبلاجًا، كنتُ طِفلاً لا أرعي للحدود التي وضعتها الكائناتُ فاصلةً ما لا ينفصل معنى، لذلك كنتُ أضم أسرتي في كل مرّة اكتبُ بها اسمي واشمُ رائحةَ الماضي المنسّاب بين الوثائقِ القديمة وشجرة العائلة كنتُ أعرّفُ نفسي بالحُبّ بالوفاءِ وكان دمي من يتخذُ من فمي كلامًا ومتحدثًا لقد أصبحتُ لغةَ الدمِ الساعي بي، وعندما بدأت كلماتي تسعى بين البيوتِ والقرى وفي المزارعِ و البعول أصبح اسمي هو القضية التي تقضُ البنيان وما هو إلا أصل البناءُ وجذره، وباتت كلماتي تنامُ في وادٍ سحيق غير الروض الذي خرجت مِنه حتى رأيتُ المطر في ليلةٍ وضحاها يقبل على الوادي البعيد فيزهر بالكلماتِ وينادي الجذور لتنبتَ من جديدٍ في الأرضِ الأولى التي نمّونا مِنها، ورأيتُ الوادي كيف يحلق بأجنحةٍ كثيرة ليصل إلى مكانهِ الأولى الوشاح الذي كتب معناه أول مرّة.


ربتُ على اسمي مِرارًا فأخرج من الثمارِ حلو المعاني، و وعيتُ فيهِ وصلاً بذاتي، بقلبي الذي ينطقُ بالحبّ في كل الرُده، و سموتُ بالبِر بطينتي، بوصلها وضمها إليّ فوقَ الأشياء وفوق الأسماء فوق الحدود...


يا غيهب النور صحتُ و صوتي يرتد إليّ مزهرًا بالعطور التي ترعرت بالرياض يا عاهل آلام العالمين يا جذر المعنى الأول وانبثاث اللغة الحانيّة تصافح كل قلبٍ في دمك انبجس عليك بالنور سؤالاً يشفي عي الجوابِ إليه. 


يا عاهل آلام العالمين أيها الاسم الأول تنبجسُ فيك لغة الهيثم الوضاح فيعود إليك مديدًا بلا انتهاء كتابةً وسعيًا للحبّ مسًا لكل حُبّ و وعيا بكل امتداد. 




تعليقات