هواية تجميع سيارات الخردة !






٨،

استمعتُ كثيرًا عن هوايةِ جمع الطوابعِ البريدية ثمّ رأيتُ بشغفٍ زميل في العمل يجمع فتاحات عُلبِ المياهِ الغازية المختلفة يصفها ويجمعها  في معاليق مخصصة لذلك وغابَ عن ذهني هواية العائلة بتجميعِ سيارات الخردة!  فكلما مررتُ ببيتنا وجدتُ مختلفَ السياراتِ بالموديلات المتنوعة مصفوفةً عِند أبواب المنزل وكأنّي أمام متحفٍ فني يعطي الشارع الصغير رونقًا مختلفًا عن الشوارع الأخرى بالحي... تأملت ذلك بعمق لأنّي كثيرًا لا أجد شواغر أقفُ فيها! 

مع ذلك كلما حاولتُ استقلال سيارةٍ لأذهب لبعضِ الأعمال وجدتها عطباء، أو كلّة لا تقوى على مسيرٍ طويل، والأدهى المُر أن يكون تكيفها معطلاً في زمهرير صيف الصحراء فأخالني لم أذق من حرارةِ الصيف ما ذقته هذه الأيام وقبل أغسطس، إذ تبدو المدينة مستعرةً باللهيب على وجهٍ غريب حَنّ للقاءِ عشقهِ الذي غاب طيلةَ أشهرٍ ماضية تحت قيدِ كورونا. 

يراسلني رفيقٌ أن عليه الذهاب إلى شجرةِ البلوط، حيثُ المخيم المهفهف ، فقلتُ متسائلاً: كيف لهذهِ الردهةِ الممشوقة أن تكفي لسمينٍ مثلي مع جماعةِ الصحب والرفاق أقولها وفي نفسي توق للمجيء لكن ما فعلتهُ بّي سياراتنا الخَرِدة طيلةَ الأيامِ الماضية أفقدني جلّ طاقتي لأواصلَ الاستمتاع بإجازة نهاية الأسبوع! 

فإذا بي أتوجهُ لقضاءِ وقتٍ ممتع في مواقع صور السيارات العتيقة، وتلك التي التحمت بالطبيعة فصارت زهرةً من الأزهار وحشائش من الحشائش وشجرةً ملونه بالذكريات المارة عليها، وبالكلامِ المشدود الذي يطبع أثارهُ قبلاتٍ على جسدها المحموم بالوقوفِ الطويل! وبان لي من الصورِ ذاتي كيف إذا توقفت تسعى إليها الأشياء وكيف إذا سعت ترى العالم بمنظورٍ جديد.

لم أكد أنهي رحلةَ شُرب الشاي أمام شاشةِ اللاب توب، حتى طُرق الباب، استيقظ قد جاءنا ضيوفٌ فهلمَ بِنا لاستقبالهم، يبدو أن إجازة نهاية الأسبوع ستستنفذ عن بكرةِ أبيها بالفعاليات. 

-مساءُ القِشطة أيها الرفاق، هلّا أخليتم لي المكان المقابل لجهاز التكييف، أقولها مشرعًا يديّ وقد اتكئتُ على الجِدار ؛ لإخوتي الصغار وضيفنا قريّب مِنا بالدمِ ولهُ في المكانِ أمرٌ ونهي، جلسنا لنشنف أسماعنا بحكاياتِ العمل كيف كنا نخوض الغِمار ثمّ استقلنا لتوجهٍ آخر، كيف أتت كورونا الصغيرة جدًا وعلمتنا الاسترخاء في البيوت ومداومةَ التفكرِ في الحالِ والمآل بعدما كان الناسُ يمشون بحياتهم كروبتاتٍ فضائية.

انتصف الليل سريعًا، وانسحبت الأحاديث عبر شقوق الأبواب الموصدة والنوافذ المشرعة شيئًا فشيئًا، وراحت تتأبط سعينا الحياتي نحو الاسترخاء. 

ذهبتُ إلى غرفة النومِ واستلقيت مستعدًا لخوضِ غمار جديد، لكني وعيتُ أحاديثَ جديدة من دفترِ الوثائق القديمة الصغير والذي يحوي نقولات الأملاك والوصايا والأوقاف، أحاديثًا بلهجةٍ نجدية قديمة مُدت حدّ أن تخللت أعصابي وجسدي وسعت في تكويني العضمي ومشت في كريات الدمِ مع الأكسجين لتروي حكايةَ الامتداد فرأيتُ نفسي وقد ملئتُ بالكلماتِ التي تشع ضياءً وتتجذر بالأرضِ ساعيةً إلى شجرةِ البلوط الضاحكة قبيل الفجرِ على نكاتِ المخيم المتأهب للانسحابِ لمسامرةٍ أخرى يراوح فيها الزمن حكايتهُ من جديد عند الخامسةِ والسبعين صُبحًا. 



تعليقات