١٨،
عمت مساءً، أوه لقد قطع الاتصال لا أدري لماذا يرفض الكثير التصديق أني لا أستطيع إجراء مكالماتي من هذا المنزل.
يبدو الوصول صعباً فحتى صوتي لا يمكنه الارتداد إلي عندما أقول شيئًا فيعود صمتًا مكفهرًا عن الادلاء، شيء يشير إلى المعنى لكنه لا يصل إذ يسعى في طريقٍ لا نهايةَ له ولا غاية!
لم يبقى على الاجتماع سوى القليل ، لكني رغم ذلك لا أستطيع الذهاب، فالقوقل ماب لا يشير إلى محلة صحيحة، أضع رِجلاً على الأخرى متجاهلاً نصائح الطبيب الذي يكرر عليك أن تعتني بركبتيك يا بني ، بيد أني في حالة الانغلاق هذه أتهكم بعلو على الإرسال الهاتفي، إني الآن خارج هذا العالم.
أتصفح أحد الدفاتر التي دونت فيها بعض الحكايات التي لم تعد كذلك، فالكلمات التي تتراقص في غرفتي تريد أن تقول أنها أكثر من قصيدة ووجود...الكلمات التي تمسك بأقلامِ الحبر الملونة وترسمُ في ذاكرتي حكاياتها الخيالية التي تصبح حقيقةً بعد إذن.
على كل الأحوال، سأغادر إلى غير هدى علني ألقا شبكة إرسال تستقبل رسائلي وترشدني إلى الاجتماع ، خرجتُ من البيتِ فإذا باللافتات في الشوارع مقلوبة فالأسهم التي تشير إلى اليمين تشير إلى اليسار، والطرق التي أذهب بها إلى كشك القهوة المعتاد صارت تدل إلى جهة أخرى ولم يعد لأبراج الارسال أي وجود، سمعت مارين يحكيان أنها أخذت إجازة طويلة خارج نطاق العمران في المدينة التي تهذي بما لا تعرف فلا وِجَّه معروفة ولا وجوه فيها من السحن ما يشير إلى شيء، حتى أني استوقفت من رجل المرور على ظل انسداد شارعٍ عريض، فطلب بطاقتي الشخصية ثم تمعن مقعرًا عينيه متفحصا وهو يقول: أهذا أنت ؟ فلا وجه ولا اسم ولا رقم يشير إليك في هذه البطاقة، فهممتُ مجيبا : وأي اسم تريد؟ فما حسبت لي أكثر من الاسماء والارقام والوجوه في هذه الحياة، فكل كائنِ في الوجودِ الكبير يناديني بما يشتهي، وعلى الأقل بما تتذكرني بهِ ذاكرته، ولا أريد أن أمد يديّ في ينابيع التخزين لتأخذ مِني طابعًا وتصطبغ بملامحي، فما زلتُ أوافق على كل اسمٍ اُتخذ ليّ...فعن أي اسم تريد؟ فقال لي بعد أن استراحت عيناه وسكن صوته لا غرو فإني لست سوى لافتة.
انتعلت بعض الظنون ، إن في الأمر خدعة ما، فهذه المدينة تضج بالهراء حيث تتسرب أحبار اللافتات فيها مندلقة على الشوارع ، حتى بطاقتي الشخصية أصبحت كرتًا أبيضًا لا شيء فيها يشير إلي سوى البياض، فتبدو لي غيمة كانت تسقي نخلتنا بين الحين والآخر بمطرها وتروي قلبي، ويروح بي التذكر لبيتنا الذي لم يعد إلا منزلاً لهذه النخلة التي قاومت كل عواملِ الرحيل وبقت مع صنبورها الصغير الذي يُقطر بالماء كلما حان الوقت لذلك ويبل الطينة التي غرستُ فيها يديّ أول مرّة لأزرعَ ذاكرة البيتِ الطيني الذي تركه جداي مُنذ زمنٍ بعيد. أحمل نفسي من البعيد السحيق ثمّ أعود ليعلقَ على جلدي أثرٌ من هوسِ هذه المدنيةِ المضطربة و مديدًا من تحولاتها وتصهر مبانيها في هباءِ الضياع الذي حلّ عليها دون احمٍ ولا دستور.
يبدو أن الازفلت أيضًا له رأيُ آخر، فهو يشير بتمايلهِ إلى رُدّه ومعالم لم تُعرف للمدينة، فها هو يأخذني إلى حيثُ يريد فليسَ من خيارٍ ولا قرار، وكأنني بتتابع سيري هذا أختط من جسدي طريقًا، وصلت أخيرًا دون برج ارسالٍ ولا برنامج اتتبع بهِ الطريق للوجوهِ التي تنتظرني وتكتبُ حكايتها في الدفتر الصغيّر في المنزلِ الذي لا يستقبل الرسائل والارسال، فالذاكرة التي تكتب اللغة لا تنسى أبدًا أن الوصول آني دون وسيلةٍ غيرها أن تقبع في سويداء القلب وتختمر صابغةً ما حولها بشيء ما يراه كل أحدٍ مع أنة لا ترى للضياع الذي كتب وجودًا جديدًا .
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...