٢٢،
إن حُبًا لا يستوي فيهِ النقيضان بحيث يلتحمان بالسعيِّ إلى المحبوبِ لا يعول عليهِ.
إنها العبارةُ التي تريد ملازمتي هذا اليوم برنينها في رأسي وسعيها في جسدي متمددةً بشكلٍ عجيب أخذ يعاقر الطريق حتى كدتُ لا أصل إلى المنزلِ بعد إذ رميتُ ببذور عباراتي التي أرددها على الأزقة والمحّال في المدينة، وحكمةُ شجرة البلوط لا تغيبُ عن ذهني: ليّ في كل حدّب بالمدينةِ حكاية وذاكرة!؛ إنهُ اللطف الذي يمتزج بالذاكرةِ فيجعل طينتها تخرج طيب الثمارِ في اللقاءِ المنساب إلي، والوداع الذي يغلغلُ اللقيا فيّ فتصير الربيع جنانًا ذاتَ أكلٌ بديع؛ وأصبحت هذه الكلمات اليسيرات تسيرُ في دواخلي وتومضُ آنيًا في نواحٍ مررتُ عليها ومرّت علي وبقي منا آثار فيها يقولبُ المكان بهبوبِ وجوهنا ومنطقنا سلوكنا الذي تسرّب وقبعَ في السويداء نابتا فيها بسلالةٍ كروح.
أصبح انخراطي بشوارعِ الرياضِ شكلاً من العشقِ الذي يتركُ حمرةً على خديّ من أثرِ طولِ التمشي مرورًا على المشاتل التي تأخذني مع شجرة البلوط إلى سيارتي إذ تبعد عن محل القهوة كيلو وخمسمائة مترًا، عليّ أن ألتقط أنفاسي من الهواءِ المحيط، واستنشقَ فريونًا باردًا على الدرجة العالية ثمّ أمضي إلى مخزّن العبور اليومي على الشوارع...
ما الذي أريد أن أتذكره وأنا مغمورٌ بهذا الحُبّ اللطيف الذي يجسُ جسدي برفقٍ، ويجعلني ممتدًا في صدورِ الكائناتِ التي تتصل بكل تفاصيلي ومكنوني، هكذا تتساوى عندي الأشياء في سبيل هذا الحُب فما الذي يعنيه الكسب أو الخسارة في سبيل المحبوب؟ إنهُ الهباء الذي يبدد بأي شيء، فعند الحُب لا تعود المعايير والمكانة بحاجزٍ على بلوغِ الغاية القصوى من الجمالِ وإليه، أصبحتُ الآن أرى رونقًا بهيًا في المتكوناتِ أمامي وتتبدى الأشياءُ سماويّة وفيها صورةٌ للندى بديعة…وأصبح العالمُ بما يحويهِ قريبًا وصغيرًا في متناول يدي التي يتفجرُ منها الكلامُ الحلو أدبًا يهاطلُ سعينا على المدينةِ ضياءً لطيفًا من هناء.
عندما وصلنا إلى وجهتنا في المجمعِ المطاعمي، استنشقتُ الصعداء فَرِحًا بالوجبةِ العامرة، و بالأحاديثِ التي أخذتنا قليلاً بين القُرى والمدن الصغيرة التي تسعى في قلوبنا محل النبض والحياة، ثم و بخروجنا اندلقت الشوارعُ بذكرياتها في خوالدنا التي قررت أن تتذكر عن الكوّن الفسيح كل جميل.
عدتُ إلى المنزلِ وفيّ من اللقاء مالا يغيب وينتهي؛ لألقاهُ أحلى طلةً وأبدعَ وجودًا وأزين ما يكون بيتٌ لأهلهِ، وإذا بالألوان تنتعش بالحياة، والهدوء العام يبعثُ نسيمًا باردًا إلى قلبي بنفحةٍ من سلامٍ تأخذُ لبي إلى النورِ الذي يسعى، ويلمسُ فيّ المكنون…فيتسلقُ اللطفُ على جدرانِ الذاكرةِ أخضرًا ومنيفًا وإذا بيدي تتشكلُ من لحاء البلوط وتتسلسل أوراقها بين الكلماتِ التي أكتبها لتنطق بالربيع، لتناديني في كل نسمةٍ، وتستقي مِني لحظةَ كتابةٍ على كوبِ قهوةٍ مُنسل من السحابِ الموشى بالمطر على الرياضِ البسامة من تلقي الصباباتِ إليها بصدرٍ رحب وبحبٍ لا ينقضي بالآماد...الآن أرى في قلبي الحديقة من الغيم، تتلون بالكلمات على هدى الأهازيج اللطيفة فرحةً بالعطاء يمنًا وبركة عميمة.
رائع كعادتك، تبهرني في كل مرة ياصديق اللغة♥️
ردحذف