لمعملِ النظر أن يستشف ثقافةً مديدة في دُجى هذا الوطنِ الغالي الزاخر باقاليمه و أناسه و برسوخهِ المديد عبر الأزمنة، فمنذ تأسست لبنةٌ الدولة الأولى باجتماعٍ ظفور بين محمد بن سعود آل مقرن المريدي و محمد بن عبدالوهاب الوهيبي التميمي والنماءُ في سموقٍ يتماجد للعلياء في شؤونٍ مديدة، يتجلى ذلك في مناحٍ عظام كثيرة ومِن آثار ذلك هذهِ الحضارة بين أيدينا الوثائقُ التي تبين لنا مزيدًا عن معدنِ النّاس الثمين، وتمسكهِ بثقافتهِ، وانتماءه العميق.
وقد اسهمت الدولة في العهدِ الثالث ومنذُ عهد صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بالعنايةِ بهذا المعين التاريخيّ الحاوي على الفرائدِ النفسيةِ عن أُمتنا وشعبنا إذ يكشفُ مزيدًا من سلوكِ مجتمعنا واتساقهِ عبر تصاهرٍ عجيب إلى النماءِ والعِمارة في البنيانِ وفي الإنسان، وفي عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز والذي له عنايته الخاصة بتاريخِ هذهِ البلاد المُباركة التي تعمل في رؤيةٍ حضاريةٍ في اظهار الدُرر المكنونه في تفاصيلِ هذهِ الرقعة النيّرة في العالم، مُبرزًا أهمية العناية بالتاريخ الوطني ونشر المحتوى التاريخي للتطلعِ إلى المستقبلِ بخطىً ذاتَ ثبوتٍ ووثبٍ آنيّ عبر المراحلِ فنحنُ أصحاب ثقافةٍ راسخةٍ متنوعة باختلافِ تضاريسِ هذه البلاد وأناسها مشكلين مزيجًا انسانيًا ذا رفعةٍ وكفاءة، فنحنُ شعبٌ حبانا الإلهُ حُبًا لمكنوننا وما نحنُ عليهِ من وحدةٍ وتوحيد وانتماء وتجديد.
ولقد شهدتُ من الجهودِ التاريخية الجليلةِ الكتاب الذي صدر مؤخرًا بعنوان: (من وثائق سدير) الذي أشرف عليهِ صاحب السعادة: عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز أبابطين، بلجنةِ توثيقٍ قوامها الأساتذة الكرام: عبدالله بن إبراهيم الحقيل، و عبدالعزيز بن محمد الدريس، و محمد بن عبدالعزيز الفيصل، و هشام بن صالح العيفان، و يوسف بن محمد العتيق، ومحمد بن عبدالله أبابطين، ومحمد بن يوسف العتيق. ورأيتُ فيه مِدادًا نيرًا يصل ما مضى بالحاضرِ البادي، وقد قسم الكتاب بعد التعريف باقليم سدير و بلدانه إلى قسمين الأول: مراسلات أئمة وملوك وأمراء آل سعود، والثاني: وثائق عامة. وهو سُفرٌ عميق الأثر، يشهد فيهِ صيرورتنا وامتدادنا في نواحٍ معرفية وثقافية، فترى فيهِ سعي التاريخ عبر الكلماتِ وفي الخطوطِ التي بقيت من أثار أئمة و علماءِ وكتابِ البلاد…ما يجعلُ الماضي حيًا بين أيدينا، نتصفحه كما نتصحف الأيام .
و لقد وجدت في هذا الكتاب فوائد مهمة منها: أ- اللغة المكتوبة حينذاك وميلها للنطق المحكي، ب- الثقافة القضائية والاهتمام بالتوثيق لدى القُضاة، ج- اهتمام ولاة الأمر بشؤون الرعية من خلال المكاتبات ورعاية أمر الزكاة، د- وصايا السكان و ايقاف الأراضي للحج وأعمال الخير كافة. و للمطالع أن يكتشف من هذا المعين الثقافي والاجتماعي والإداري والفقهي المزيد والكثير؛ فهو عصارةٌ تلتحمُ فيها هذه الجوانب لتوضح لنا معاش أهل سدير عبر عصورٍ مديدة من اللغةِ والسلوك الخصيص.
شكرًا لهذهِ الكوكبةِ النيّرة هذا الجهد عبر السنين، ففيهِ بذل وسعٍ وعناية مشهود؛ إذ هو في شمولهِ ظاهر، وفي دقةِ العنايةِ بهِ باهر، وفي منهجهِ مكين، فإذا علمت أن الجزء الأول ما هو إلا ١٠٪ من وثائقهِ علمت عمق هذا النتاج وأثره المحمود في تاريخنا المحلي، والحمد لله أن صير لنا من أبناءِ هذا الوطن الأوفياء هذا العطاء المنقطع النظير فهو ربيعٌ في حاضرنا وأمثولةٌ ذات بهاءٍ لمستقبلنا فشكرًا لا عد لها لن تفي هذه الجهود ولكل المساهمين في نشرِ الوثائق، وفي تطلعٍ لقراءةِ المزيد من وثائق سدير و أقاليم بلادنا الغالية؛ المملكة العربية السعودية.
* نشر هذا النصّ في صحيفة الجزيرة .
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...