يمكن للمرارة أن تصبح خيارًا؛ سلمًا للوصولِ إلى غاية! هكذا تجتر بعض الكائنات الآلام في مدارات الأيام، تستضيء بصرخات الوجع بوصلةً لحياتها القاتمة جدًا وتدور حتى يأخذ منها الانهاكُ مُناه...هذا الخيار، أن لا ترى في الضوءِ إلا عتمةً، أن لا تحس إلا بشهقاتٍ قد ضاقت ذرعًا لكونها صارت صنفًا مُفضلاً، مفترًا يحجبُ الحياة عن الوجود. كرر كلمتك يا عزيزي: قل أنك لا تملك أي شيء وفي نفسك توق للوجودِ برمته إنها الرغبات التي تمتلكك الآن أداةً، ومُعَولا.
أمام الطاولةِ التي تهش عنها الغُبار بلمعانِ الأواني، استطيبُ رائحةَ العطرِ المنبعث من القهوة، وأتلمسُ شعور الذي صنعها كيف جعل منها لوحةً تقضمُ فيّ هذا الشرود لأعلقَ بها. أشربُ قليلاً، وأحسُ بذاكرةٍ ذات انصبابٍ تصافحُ أعضائيّ التي تستيقظ واحدةً تلو أخرى وتذهبُ كل واحدةٍ لشأن. لم يبدأ الوقتُ فعلاً، لأن الحُبّ علق في زحامٍ عند جسرِ المدينةِ التي تودُ أن تبقى لأبد وقد لمت في أحشائها هذا الكم الضخم من السيارات ومن الأوادم. أريدُ العبور سيدتي، قال: النادلُ الذي لا يعرفُ بأنّه قد خاض طريقًا لم يُعبر منه قط، سبيلاً للخلاصِ من المكانِ والزمان. إن هذه الخطوات لهي الموسيقى، زمريّ عن فؤادي المكلوم بعبورٍ باهت، يأخذُ مِني بغيةً لولادةِ قصيدة!
هكذا وصل الحُبّ، غنى على ضفةِ النهر، وخطى على الرملِ الذي يحنُ لكل طفلٍ يبني في كبدهِ هيكلاً لقلعةٍ أو بيتٍ صغير على جناحين الأحلام المنسحبين مع الموج الذي يروح ويجي، وقد ترك ورائه كائناتٍ بحاثّة؛ تجس البِقاع، لتبلغ آثارهُ، كلماته ذات النماءِ في الأفواهِ وفي الأجواء...هكذا تكون القرى نٍعمًا مُجسمةً على الأرض. وقودًا لكل الانتظار اتجاهل ما يحدث، أغيرُ مسيرتيّ عبر المحطة، وأعاود لعب الشطرنج مع غريبٍ قد دلتهُ يده لهذه البقعةِ المُضاءة بفكرةٍ وحدث شبق لمقارعةِ التفاصيل... هل جربت الاستيقاظ بعزِ نومك، لتعرف أن للحياةِ قلوبٌ تنبض في أماكن أخرى بعيدًا عن الضجيج الذي تعيش؟ وأن تنام في عِز استيقاظك دومًا ما رأيتُ الكائناتِ نائمةً في ذورةِ الانهماك، لم تبارح مخدةً قد استقالت من العمل منذُ وقت بعيد.
عليّ أن أتلقى رسالةً هاتفية لعميلٍ يريدُ ليّ أن أخرجه من قضيتهِ كالشعرةِ من العجين في سويعةٍ، أو أقل؛ يريدُ هذا الجنونُ ليّ أن أمشي على خيطٍ رفيع لغيمةٍ تتمشى في وجدِ السماء، دون عَبّارةٍ غير تحملي هذا النزق. أغلقُ سماعة الهاتف لأتلقى مكالمةً أخرى هل عليّ أن أوزع اليوم على المكالماتِ والرسائلِ الهاتفية وهناك مُبارة تنتظر قراريّ الأخير: كش ملك، لقد خسرت يا عزيزي، لا فرار: أحيانًا تمتلك بعض الخسائر مذاقًا أحلى من أكبر الانتصارات، وتعطي معرفةً عميقة لما يجول في العمقِ من الوعي ومن الشعور.
يشطرني هذا اليوم ليزرعني في جسدهِ، زهورٌ هنا، براكين هناك؛ و أحياء أخرى منوعة، غير أن وجه الطفلةِ الذي يطلع من ضلعيّ يسحرني، ويلون لُبي بأزهى الحلل، لقد ارتديت هذه الرؤيةِ التي تتمثلُ بي رفيعًا بالحُبّ، وأيّن يكن علي النهوض لأهش عنيّ أثر قضيةٍ قد زالت بعد إذ كتبت تاريخها بيدي...أن تكون قصيدةً مُغناة، روحًا تسعى باسمي في الأرجاءِ: هذي كلمة الحُب.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...