وجه آخر للمرآة على عامود النسيان!

 



وجه آخر للمرآة، على عامودِ النسيانِ قائم، تمرُ السحن عليها ليُشّكَل الفضاء الدائر للثقبِ الأسودِ الذي يبتلعُ كل شيءٍ في جوفها: النسيان الذي يتمشى في كل الأحوالِ مقارعًا التذكرَ الذي ينسلُ في جسدِ الأماكنِ من أجسادِ المارين، وأولئك الذين تغيب مادتهم في حضور براد الروح! بَقي القليلُ حتى تخرج اجنحتي للعلنِ كاتبة في جسدِ المدى حكايتها، كيف رانت من النورِ بدايةً أخرى، قليلاً من الحكايةِ التي تضمُ السويداء للكلمات فتولد معجونةً بالصمتِ المُسفر جِدًا. 


تتداعى الوجوهُ كما القصعة في كبدِ النهار للانكباب، تتخذُ من الفتاتِ أمثولةَ بقاءٍ مرير، للاشيء.  أمرُ من فوهةِ بابٍ لفكرةٍ لا تصدرُ سوى الصرير، لتعلن حنينها يوم إذ كانت شجرة! و ألمسُ تسلسلي في تجاويفِ الماءِ، كبديّ قد استقامت للسماءِ تغزلُ الحكايات المرنمة، مطرزةً بالأصواتِ التي تعتريها حشرجةُ الحنين، أُغّلق الأبوابَ بمرآةِ الوجع الأخيرِ، عاكسًا الماضي عبر تجاويفِ الحاضرِ المشوّه؛ الحاضرُ الذي ينقضُ كبيتِ عنكبوتٍ و كبسكويتٍ في حفلةِ شايٍ يعرفُ أن للجمالِ ضريبة فناء. 


مرآةٌ هذا القلبُ الذي لا يعرفُ الحب، أقلبهُ في السماءِ فلا يسفرُ عن ذاكرة، ولا ينشطُ في المحالِ غائرًا في فوهةِ الظلِ، مُدرّجًا للتفاصيلِ المُهملة…حتى مرآتي العزيزة لم تعد قادرةً على تحسس وجهيّ، فقد نمّت في ردهِ السراب، وتعلمت المشي مؤخرًا نحو الهاويةِ دون أن تسقط. أقيضُ من سحنةِ الرحيل جِسرًا للبكاءِ الضاحك، للنكت ذات القناطر الأخيرة، بُخار يحجبُ وجهيّ ليطلع من ضلعِ المسافةِ شاهقًا، ومن رحمِ النجومِ عليلاً نيَّرًا. الآن تحسستُ وجهَ المرآةِ عبر خيالٍ يسعى بقدميه لتمسه فوهةُ قلمي مولودًا بالمعنى، ويراقُ من أناملي مُنكبًا للحروفِ التي أسطرها...اختزنُ السُرج المُوهَجّة في الكلماتِ التي تُصافح العبقَ بالأثير! 


أقضُ ذكرياتيّ بالإزميل الذي يسربُ جسده في كل جسدٍ يقده، لم تعد الذاكرةُ تكفي للبقاءِ، أنحتُ وجهيّ في تفاصيلِ القلبِ الذي يهاوني؛ ليعشقني في كل شيء يُحبه! يبدو أن الشعور بسيط، للحدّ الذي لا يوعى أثره إلا بعد الاستيقاظ من ثمولِ العلائق الرديء، ها أنا أشاهدُ الألوان بنفسٍ جديد، وأتعرفُ على الأشياءِ المقيمة من دهورٍ حوليّ من جديد لاتكشف عن معنىً غائر.


لقد أصبحت القُبلات الأخيرة سِفرًا آخر للعذاباتِ التي ذابت خلف الاجتماع الأخير تأخذُ حيزًا بين نهودِ المكتبات، القُبل المطرزة بالقهوةِ الطيبة والذاكرةِ المكلومة؛ الشفاءُ الذي أنزّل من الضياءِ لينيّر جسدًا قد كّلَ من الجراح، ثمّ اختار العودة للظلام يتنزهُ في أجسادِ ردهاتهِ و عذاباتِ أصحابهِ، وفي الاقترابِ الذي يرمي بقلبهِ في براكين اللظى، وجمرِ الجسرِ الذي يريدُ أن ينقضَ في هوةٍ يسحقُ بها الماشين عليهِ...مُخلفًا بقاياهم قصائدَ تتلى في عيدِ الميلاد الأخيرِ للحُب. يا ملك الحُب هل استيقظت الآن؟ يا عاهل آلام العالمين مُحلقًا بين الأفلاكِ ذاتَ الحواية تعيدُ ترتيب الأشياءِ لتبقى في القمةِ من جديد تُقبل في الكون كل حكايةٍ لتكونَ قصيدة؛ يا عاهل آلام العالمين يا ضياءَ المرحلةِ الأخيرة، في الكلماتِ العبق الذي تشتهي، والروح المُقبلة تنادي: هذهِ دارك المعنى، فأين ما تولي وجهك فثمّ حُبك الكبير. 


* وجه آخر للمرآة، هو عنوان لكتاب الأستاذ سعد بن عبدالعزيز الزير


تعليقات