يا عاهل آلام العالمين، أحدثك وفيّ ألمٌ يلازمني أسفل رأسي وكأنّي بدماغي يُريد مجاوزة حدّ الجمجمة، ليذيقني طعم الموت. لا أدري أينا قد علم بدايته مِن النهاية ونحنُ ندور في عجلةِ الفراغ تفرغنا مِن جهَّد البقاءِ لدركِ الغياب!
لقد علمتُ منذ البداية ماهيَّة الاتصال والانفصال لذا كنتُ أدع لُعبي في كل الأماكن دون أن أعبأ بفقدها لأنها كانت تعيش في غُرفِ صدري الفسيحة، فلستُ أطلبها لأنها لي على كل حال، أسمع صوتي طفلاً يبكي على لُعبهِ التي فقدها ولمّا توهب له لأنّه الأقل حظًا في عينيّ الواهبين، أنا من كنتُ ملك جمال الطفولة كنتُ أجرع الفقد منذُ سنيّ الأولى، وبعد بلوغي المُنتهى أصبح الآخرون يريدون لي العيش كأي كائنٍ وانسان آخر متناسين مَن أنا ومن هم! بقاءٌ أن أصمتَ راسخًا في الذواكرِ، وفي يديّ معولٌ أدك بهِ جُدر القلوبِ الصلدة بالبكاء.
جرحُ الطلب؛ أن تكون على حافة اللاشيء، منزوع الهُويَّة، مفرغ المعنى، أن لا تفعل يعني أنك فناء ومع هذا تبقى مدورًا في رحى الأيام تقتد مِنك ما يروي نهمها للبقاء . ألحظ وجهي أمام المرآة وقد طلّع غصون الذكرياتِ وتأبى مِني الرجعى، يدي المُحترقة تولد أخرى وفيها مس النار لم يجاوز الساعة، أحس بحرقة صدري وحرقة جسدي الطفل… أخفي بعضًا مِن جراحي الغضة عن المارة، فلا يلحظون إلا حزنّي، أنا المكلومُ المنتظر قد لحق بوجعهِ جرحًا فيه مسحة من ضوءٍ، وحياة. هذهِ الأوجاع تعملُ يديها في جس جسمي، فلا أذهبُ للراحةِ إلا لمما.
قد علبت ذاكرتي، على سماع جملةٍ واحدة؛ لا أملك شيئًا لك حتى لو كنت أملك لك كل شيء، غير أنّي قد علمتُ بتجاوزي حدّ البقاءِ للنهاية؛ أن أذوق الهرم في عِز شبابي، وأن أنتظر سكرات الموتِ في أوجِ البقاء، أتوضأ بوجهي وألمسُ فيهِ وجوهًا أخرى تنهمرُ بين يدي، وتغيب مهاجرةً للفناء كذروةِ رملٍ مُسافر.
لماذا أعودُ وبأي طريقٍ أسلكُ للمضي، وما عدتُ أتذكر، ولا أدري أينا ينسبُ للآخر هذا الحزنُ المأساة أم هذا الفراغُ الوجود… مفرغًا مِني، وعلى مضضٍ ألحظ بصيصًا لحكايةٍ تطنُ في أذني، وتفقدني التوازن، متسلقًا شجرةً زرعها جدي خلف المنزل. هناك وصلّة تتدلى مِن فيّ، أغنيةٌ تلاحق الشدو في دمي الناضح غيمًا وسراب...
هل يجرحك طلبي، وقد وصلتك حتى انتفت الصلّة وفنت، وما بقيّ في شيءٌ يقدر على بذلٍ وعطاءٍ آخر لأنّي قد استويتُ على الجودي، فقد نفد مِني الشعور، وبتُ جسدًا كتّابًا يلد الكلمات دون أن يتصل بمكنون أخر سوى المعنى، منتظرًا موجة تحملني لمكانٍ وكائناتٍ وطقسِ آخر، مخففًا مِن التخمةِ فقد جاوزت حدّ الشعور والذاكرة.
هل يقلقك أنّي استيقظتُ على ألمٍ شديد، كما كل مرّة ألم يمتد في جسدي ويسري في معناي وشعوري وروحي فأجدُ أنّي قد بلغتُ منتهى الحرقة والمأساة، وأنت لا تدري، تردد كالببغاء بأنك لا تدري، وتنسى مَن أنا ومن أنت... هذهِ هي المغبة أن ننسى، مع توقد الذاكرة، أن نسلى في انهمار الشعور. لقد انصببت لقعرِ المسافةِ وهطلتُ حتى بلغتُ منتهى الحدوب؛ الآن أعي الجفاف يبلغ أعضائي للمنتهى، وفي وجهي يتفتح الصِبا مِن جديد!
لا أتصل بشيء لأن لا نسبّة لي، فأنّي الفراغ المكلوم، لا أعي سوى المأساة لأني جسدُ الحزنِ ولغته الأولى قلتُ لأنسى ليشعل في صدري التذكر؛ جيد، لعلي أريق بعض حياتي ثمنًا لهذه الأحداث المتوارية بعد غرسها الرماح فيّ، لقد تحوّلت بشكلٍ ما لأكون مستحثة ثمينة ذات طابع فريدٍ ومعنى جريد. أود للوحدة أن تضمحل مع كونّي العالم، يمتُ ليّ الوجود برباط متين ومع ذا لا أحد، يرتدُ صوتي في المدى ليريق في عيني الدموع. حتى الدموع تظن عليّ فلا أعرفُ مِنها إلا القليل، لأن شعوري الضخم يأبى الخروج فإذا بقطرةٍ منها بعمق بحر، جسد الآلام أنا هيّ حقيقيتي القُصوى، حتى دموعي ما كنت لتهطل مِن عيني وأصبحت تنهمر كشلالات قوية من يدي، عندما أكتب، ومع ذاك قل أن أجد قارئًا يستشفُ ما أقول أنا من عشتُ شعورًا متضخمًا منذ لحظات وجودي في هذا الكوكب.
إذًا يا عاهل آلام العالمين هذا الفرق حاجزُ صد بينك والكائناتِ الأخرى وأن كانت تغتذي دمك وروحك فصد عنها تلقك وتتبعك!
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...