أباشر الصمت باللغة المكلومة لأبقى !

 



 



 

استيقظتُ متأخرًا لا من الغياب، ولكن من الحضور لحضور آخر، منقولاً آنيًا لبقعةٍ أخرى مِني لم يمسسها نور. أمد عيني متبصرًا المكان المتحوّل وأنا أخطو إليه هل كنتُ مِن سرابٍ واليه أعود. خاليًا مِن نفسي، تائهًا في المدلهماتِ يصعقني الوجود كما يصعقني الفناء!  أرمقُ حياتي متوجسًا مِنها وقد لحظتُ اكتناز الحُب والذكريات... إنها اللغةُ التي أعرفها تهيمن على وجودي، و تعزلني عن الغير لأبقى خالدًا في الكتابةِ التي أبثها للوجود.

 

حتى صمتي، يبدو كعنفٍ ضارٍ لدى الكائناتِ التي تعتقدُ أنها ستجاوز المعنى الذي أتفوهُ بهِ؛ ولماذا أقولُ الحقيقة وقد مضى زمني وأنا أتلقى الوجوهَ الدهشة عندما أقول؛ صامتٌ إن قلت صامتٌ إن صمتت وبينهما برزخُ لا يدري أي وجهةٍ يختار. يعتقد الغافلون أنّي في الانتظار ولم أفعل قبلاً، إنّي في الحضور الذي لا ينفك، وكيف أغادر وليس من رحلةٍ تقل جسد الوجود. 

 

دوما ما كان لقولي القوة التي تُسبب الصدمات ربما أكثر من ذلك ليتحوّل بمحض قولي الكائنات، بشكلٍ ما اكتشفتُ أني لا أنتمي للعالم وأني من مجرة أو كوكبٍ آخر لأن لكلماتي القدرة على التغيير لكن من يتلقوها يبقون في محالهم، يجري عليهم الزمن، لكن وجهي يبقى على الحال في لحظة النطق، وقد ارتفع منسوب عذاباتي لحد لا أطيقه.

 

قسوتي الجديدة، هي صفةٌ لم أكن لها حاويًا منذُ طفولتي، يبدو أنها كصفةٍ مُتنحية أبت الخروج هذه الأيام لتعيد تشكيل حياتي بقوانين أكثر صلافة أحكام تجعلني بقوةِ جبلٍ لا يتزحزح عن المحل، كواقعٍ لا يتشبث لكنه لصيق في الماهية إن زال زالت!  

 

لم أعتد على الحديث المُباشر، وأن أصف ما كنتُ فاعلاً لأن جسدي على نحو ما يغيبُ في أجسادٍ أخرى، وذكرياتي تتوزع لتعم البرايا، بما يجعل لي التأمل فيه حقًا. ربما وهبتُ الشقاء مِن أقرب ما يمسُ لي بصلةٍ، ولذا خرجتُ عني، ليكون جسدي المرأي مُجرد علامةٍ لا تُدل علي، وصورةٍ تفصح عن قطرةٍ في شُسع يمي؛ عجيبٌ أن أتوه في نفسي، وأضيع في متاهةِ ذاتي.

 

يبدو أني خلصتُ إلى الفراغ، وحيدًا؛ ودونًا عن الكائناتِ الأخرى، يرتدُ علي صوتي من البعيد وفيه شذراتٌ من أوجاعي السمان. تبخرت حياتي، كما يجري الوقت أمام عيني ولما أبارح مكاني بعدُ؛ وهل يبارحُ محله حزن العالم الكبير؟ قلتُ وقد طفقت عن مرارات لا تطاق، وفضلتُ العُري على أن أكسى بحمق الخديعة.

 

حتى النّاس الذين أحبهم بدأوا بنحو مطرد في الذوبان حتى لا أعرفُ واحدهم فقد أصبحو كائناتٍ مشوهة تختلطُ في بعضها البعض لأفقد ذاكرتي عنها ومع هذا تبقى فيها ، لم يبقى لي إلا نزرُ الذكرياتِ ألملمُ به وجعي الساعة، خاليًا من كل شيءٍ حتى جسدي الذي لم يعد قادرًا على تلمس الأشياء، والشعور بها، جسدي الذي أصبح رمادًا لم ينهض عنقاءً متوهجة حتى الساعة. 

 

أهوي في فوهةِ عطاءاتي السالفة، حياتي التي قسمتها على الكائناتِ ونسيتُ أن أبقي لي رمقًا أتوقى به من زمهرير الكائنات، وأعيش فيه ؛ جسدي الذي كان جسد العالم أصبح خواءً صفصفًا لا زرع فيهِ ولا حياة، ولا نسل. 


 أضربُ على صدري بيدي فيتفتقُ عن لغةٍ تنسابُ كما الشلال، وقد فقدتُ ذاتي الأولى، وأصبحت الأشياء القريبة مِني على نحو ما تضعُ قلاعًا بيني وبين كل آخر؛ لأعود خاليًا وحيدًا يطالبني أقربُ المسيسين بدين الرفقِ والقربِ والحُب؛ أن لا يبقى لي شيء من الحياةِ سوى وجهي و وجعي.

 

ألمسُ دمي الخارج مِن يدي، وإذا فيهِ وجوهٌ كثيرة تستندُ على خفتهِ التي لا مثيل لها، دمي الذي ينسبُ للماءِ أذوق بهِ المعاني المأطورة، والقلوب المكسورة تريد الخروج مِني للنهايةِ والفناء.  

 

أزمزمُ اللغة المتهاوية مِني؛ لأعب الذاكرة و ما حويتُ  يترحل في جسد الريح، شطر مِني وهب للرحيل، وشطرٌ وهب للبقاء وبينهما أتوه لأتذكر يا عاهل آلام العالمين انزع ردائك يكون العالم عالمًا آخر فهل تجدُ نفسك بعد الآن وقد نسيت من تكون لتبقى؟  يا عاهل آلام العالمين نسيت أسمك فنادك الوجود باسمه فما بين ذاتك التي تعرف وذاتك التي رحلت تكون . 


النص صوتيًا .

تعليقات