المشاهد لبلادنا المملكة العربية السعودية يجدُ فيها كمًا زاخرًا من الامتداد الثقافي والتاريخي، فلكل بقعةٍ جغرافية في أقطارها من الموارد البشرية، والحضارية، والثقافية؛ وبما أنّ الإنسان يستقي من هذا المعين، وينطبعُ عليهِ الأثر الذي يعرفُ بهِ، ثمّ يقر في هَويته، ويشكلُ ضمن فسيفساء الجمال الوطني، والثقافي، صورةٌ بديعة.
ومن صور هذا الامتداد أيضًا، ما قامت به الدولة السعودية منذ تأسيسها من تنظيم دقيق لعملية ترائي الأهلة، ابتداءً من عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي وجّه عام 1346هـ بطباعة أول تقويم رسمي (تقويم أم القرى)، إلى ما نشهده اليوم من إشراف المحكمة العليا، وإنشاء أكثر من عشرة مراصد معتمدة، وقد بات إعلان المملكة محل انتظار في أنحاء العالم الإسلامي، لما له من أثر مباشر على الصيام والحج والعيدين، ولما للمملكة من مكانةٍ عالمية وبخاصةٍ للمسلمين.
وبما أنّي قد شهدتُ ولحظت الاهتمامَ برؤيةِ الهلال في تمير، وكان لي زيارةُ مرقب تمير، واطلعتُ على كثيرِ من النَّاس والمهتمين، ورأيتُ منهم العلماء والأدباء والقنوات الفضائية والمسلمين من كافةِ الأقطار والدول، والمهتمين عمومًا، أحببتُ أنّ أُسطّر كلماتي في علمٍ من أعلام بلدتنا الغالية تمير، وهو ابن العم العزيز/ متعب بن عبدالرحمن بن إبراهيم البرغش، لما وعيتُ من أثرٍ تاريخي، وامتدادٍ ثقافي وسلوكي، في هذه المنطقة العزيزة على قلبي بسدير،
وقد أحسستُ بأنّ هذا الاهتمام الوطني له بالغ الأثر على المملكة والعالم الإسلامي والعربي لما له من أثر على صيام النّاس والعيدين والحج، وهذه شعائر الإسلام التي أعز بها الله جلّ في علاه بلادنا ووطنا العزيز.
متعب بن عبدالرحمن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عثمان البرغش - من الريايسة أولاد ريّس بن زاخر من الوهبة من بني تميم.
قال حمد الجاسر: “الريايسة (آل ريس) أفخاذ كثيرة فصلها ابن عيسى في تاريخه”.
والريايسة (آل ريس) من الوهبة، من تميم.
قال القاضي حمد الحقيل: “الريايسة وهم آل ريِّس في تمير وعنيزة وآل ضلعان في الرس من آل ريِّس وكذلك البرغش في تمير أبناء ريس من الريايسة.”
ينتمي متعب لفرعٍ عُرف بحدة البصر والترائي، وله من قرابته رائين وفلكيين منهم (إبراهيم بن عبدالرحمن البرغش / عصام بن عثمان البرغش / محمد بن عبدالرحمن بن إبراهيم البرغش).
هذه البيئة العلمية والعملية أسهمت في زيادةِ المتدربين في المرصد، وكذا الإلمام بتوجه القضاة والمشايخ فيما يتعلق بشروط تحقق الغاية من الرؤية.
ولد متعب لأسرة آل برغش من سدير وتحديدًا بلدة تمير، شمال العاصمة الرياض بقرابة ١٤٠ كيلو مترًا، تنتسب الأسرة للوهبة من بني تميم، من ذرية ريّس بن زاخر.
الوهبة فرع من بني تميم خرج منه العلماء والقضاة والأمراء والشعراء، وانتشرت منه أسر في نجد والمملكة العربية السعودية وبعض الدول الشقيقة المجاورة.
اشتغلت أسرة آل برغش بالعلوم الشرعية، وخرجت علماء وأدباء، قال الشيخ محمد بن عثمان القاضي وهو يعدد أشهر أسر الوهبة من بني تميم:
”(البرغش بتمير وفيهم علماء وأدباء)”
ويُعزز هذه المكانة العلمية ما قاله الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله – في وصفه لمكانة الوهبة وأشيقر:
“لا أَعرف قبيلة حاضرة من قبائل العرب في قلب نجد، كثر منها العلماء، مثل “قبيلة بني تميم” ولا أَعرف بلدا خرج منها العلماء في قلب نجد، مثل: “أشيقر” من عمل: “الوشم”. وذلك خلال القرون بعد القرن العاشر الهجري، وجُلُّهم من “الوهبة” وهم فخذان: آل محمد، وآل زاخر. وقد تتبعتهم من كتاب: “علماء نجد خلال ستة قرون” لابن بسام، فتحصل نحو عشرين ومائة عالم من “الوهبة من تميم”.”
ومن أشهر أسر الوهبة من بني تميم، من المشارفة أولاد مشرف بن عمرو بن معضاد بن ريّس بن زاخر أسرة آل الشيخ العزيزة، ذرية الامام محمد بن عبدالوهاب آل مشرّف رحمه الله - امام الدعوة السلفية - ولما لذلك من أثرٍ ثقافيّ وامتدادٌ واهتمام شرعي وديني عرج على ذكره العلامة بكر أبوزيد - يرحمه الله -
وكلها أسر تنتسب للوهبة من بني تميم، وقد عُرفت بالعلم، والديانة، ومكانتها في المجتمع النجدي، وكان لها حضور بارز في وطننا العزيز.
واهتمت الأسرة بالعلوم الفلكية لأجل الزراعة، إذ أنّ العمل الأساسي لأهل البلدة قبل الطفرة في بلادنا هو الزراعة، وما زالت المزارع في تمير ونواحيها دليلاً على التاريخ، وممتدة في الحاضر المشهود ذلك أن المحافظة على الارث وبقاؤه دليلاً على صيرورة الحياة، وعمق الانتماء.
وكان من المزارعين الذين اهتموا بالفلك وله حسابه الخاص المتداول حتى اليوم الشيخ/ عبدالرحمن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عثمان بن برغش بن ريّس الوهبي التميمي -يرحمه الله-، ويُذكر أنّ الشيخ عبدالرحمن قد درس على سماحة مفتي البلاد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - يرحمهما الله- مدة عامين متفرقة تقريبًا.
وكان الجد / عبدالرحمن بن عثمان بن برغش بن ريّس المعروف باسم “الشيخ” مسؤولاً عن زكاة أهل البلد ويبعث بها للأئمة - آل سعود - حسب المرويات التاريخية. هذهِ المساقات والسياقات التاريخية عززّت استمرار المشاركة وإنماء العطاء في هذهِ الجوانب والاختصاصات.
وكان عبدالله بن منصور بن عبدالرحمن بن برغش عالمًا بالدين، درس على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمهما الله -، وقام على قصر الإخوان بالرياض، وعمل مُعلمًا في تمير والرياض، وشارك في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الشيخ حسن آل الشيخ - رحمهم الله-
وكذلك أخوه الشيخ عثمان بن منصور بن عبدالرحمن البرغش، والذي درس على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمهما الله -، وتخرج من كلية الشريعة في مدينة الرياض حائزًا على الشهادة العالية بالشريعة الإسلامية. وقد أرّخ عنه العلامة محمد بن عثمان القاضي في كتابه روضةالناظرينعنمآثرعلماءنجدوحوادثالسنين ومما ذكره:
”(العالم الجليل والأستاذ الفاضل النبيل عثمان بن منصور البرغش من أوهبة تميم ولد هذا العالم في محافظة تمير من سدير…)”
ومن المعروفين بالفلك والزراعة الشاعر الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن عثمان بن برغش - رحمه الله -، وابناؤه من بعده، الملقبون بـ(محسبين النجوم)، ومن أحفاده عصام بن عثمان بن عبدالعزيز البرغش، باحث فلكي ورائي، شارك في الرؤية وسُجلت شهادته في مرصد تمير.
استفاد متعب من هذا الإرث التاريخي لأسرة آل برغش، ومن بينها الترائي والفلك والمنازل والبيوت التاريخية، إذ كانت الوسيعة في تمير محلاً لرؤية الهلال منذ ما ينيف عن المئة والعشرين عامًا في مرقاب المراجيم.
وامتدادًا لما مضى، أصبح هذا الاهتمام متجليًا في مرصد تمير، ولقد أصبح مرصد تمير لترائي الأهلة رافدًا هامًا يحقق المستهدفات المعمول بها وفقًا للشريعة الإسلامية الغراء، ومحط أنظار العالم مع مراصد سدير والمراصد الأخرى في المملكة العربية السعودية. ومرصد تمير أحد المراصد في البلاد التي تبلغ ما يزيد عن عشر مراصد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أفطروا لرؤيته وصوموا لرؤيته”.
وأعمالاً لهذا النص النبوي، تنتشر المراصد في رقعة المملكة بما يحقق هذه الشعيرة بأحسن طريقة، واتباعًا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويدعم ذلك امتداد رقعة البلاد المباركة مما يعزز نتائجها ويقوي حجتها.
وقد توجه متدربون للمرصد للترائي، لنقل عملية الترائي إلى أجيال أخرى، تحقيقًا للمصلحة الشرعية، وإعمالًا للحديث الشريف.
ومع معرفة متعب وأسرته بعلم الفلك والنجوم، إلا أنّه لم يجاوز النصّ النبوي بالرؤية، كما هو المعمول به في المملكة العربية السعودية واتباع علمائها.
عمل أبي عبدالرحمن متعب البرغش على نقل خبرته إلى أجيال أخرى من الأسرة ومن غيرهم؛ مما جعل مرصد تمير قبلة للراغبين في تعزيز قدراتهم في الترائي، ومن أقطار العالم الذين يتابعون إعلان المملكة الرسمي كل عام.
وذكر متعب للإعلام أنّ الرؤاة المدلين بالشهادة يخضعون لفحص نظرٍ دوري، في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون مما توليه الجهات الرسمية بتحري الدقة، والجودة، واهتمامًا بهذه الشعيرة.
ومن الرؤاة في مرصد تمير للأهلة أيضًا الأساتدة فهد بن صالح الفيصل وابراهيم بن صالح الفيصل من بني العنبر من بني تميم، وكذلك من أهل الحجاز الرائي الأستاذ إبراهيم بن يوسف الحلمي.
ومن الذين ظهروا في الإعلام مؤخرًا: عبدالرحمن بن متعب بن عبدالرحمن البرغش، والذي يشارك في الرؤية امتدادًا لاهتمام آبائه وأجداده والعلماء.
وفق الله الساعين في هذه الممارسة الإسلامية المهمة، وهذا اجتماع خير وبركة، ونسأل الله أن يجزي ولاة أمرنا وعلماءنا خير الجزاء على عنايتهم واهتمامهم ولكل ما قدم من بذل وعطاء .
حاشية (تمير :بلدة في سدير تتبع محافظة المجمعة) (اشيقر : مدينة العلماء تسمى رحم نجد، تقع في اقليم الوشم تتبع لشقراء اداريًا)
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...