ليّ مُدّةٌ قد أفلت ذكرياتها، وران عليها مِن المرور ما غيرها، وجعلها ذات قوامٍ عجب، ومجاوزةِ حدود الجسد؛ للمعنى.
أودعُ جرحي الصاعد لطائرة الفراغ؛ وأنشر طائرتي الشراعية لأهوي للدرك حاضنًا ذاكرة المعاناة. أودعُ قلقي أيضًا كما أودع قريتي والأطلال التي تسكنني، وأهجرها بقسوة؛ فلابدّ أحيانًا جز الأشياء التي تتشبث بنا وليس فيها بقية حياةٍ فلا هي أخلدت للأرض، ولا سعت في مناكبها؛ فقوام الأمرِ أن يعطى البقاءُ ما يقيم صلبه ولو بالقليل.
ليس ليّ نسبٌ سوى هذا الجرح السحيق الذي يشطرني ويفتتني ويذر جسدي في الهباءِ رملاً وانتهاءات عجيبة؛ اشتهي انتهائي لأنه عملة الولادات النادرة.
فيّ من الأشياء والأجساد لمحة ذاكرة، وسحنةُ لغة، وابتسامات كسيرة، وآمالٌ تتعكز على جور الوجود…والأسئلة
قلتُ للسماءِ وبصري شاخصٌ ليدي التي تأبى التدفق الساعة؛ هل آن لك ذاكرةٌ أخرى تأخذ في طيها هذا الجسدَ العليل ترياقًا وزادًا؟
خيطُ عتمةٍ يتدلى في وضّح النهارِ، ويحجبّ عنّي الشمسَ لأرى الكواكبَ وقد أغمضتُ عيني دونًا عن ذاكرتي وحزني، دونًا عن جسدي وأشياؤه …
عليّ بالطريقِ أخسفُ عليهِ من الرمل فيتداعى في هبوطهِ للأرضِ ساميًا للحدّ الأقصى، ولعروة اللغة الحلوة؛ أهيمُ في ذي الكواكبِ النبّاتة من صدري، المحلقة بعيدًا عنّي وهي مِنّي، وقد دنى مِني النبضُ حدّ أن أصبح جسدي قلبًا، وأصبح قلبي عالمًا، وأصبح عالمي رملّةً تحلقُ وآن لها أن تعرف انبثاقها وصيرورتها.
مُرّة لحظة الكشفِ لا مِن العُري ولكن من تداعي الكائناتِ في الانحدار؛ أن لا تقوى على العطف ولا التعاطف. أعطفُ إليّ وقد تحدّرت الطريق، بالكادِ أحزمُ خطواتي عن السقوط وعن اللهث؛ كما لو أن الساعة شمرت وقررت خوض سباق الضاحية فينقضي باليوم ما كان بالعام، أهزُ بجذعِ المجرةِ بأنملة فيتداعى مهتزًا يساقط ذكرياته لأكتبها وأحزانه لأعبها، وأمنياته الصغيرة لأنادي فيها نفسي طفلةً ذات حُبّ يأسرني، ويلم قيود جسدي لحدهِ الأرفع.
هذا سَفري وسِفْري، هذه أوراقي الشتات أجمّعها وأبني بها صدري لبنة لبنة؛ وكلمة كلمة حتى يتفجر مِنه الجواهر والدرر، وجهي مرآة وجعي الأقسى مفحص قطاة.
أغلقُ عيني، أكتب بدمي ويدي دونًا عن الأقلامِ لأنّي شئتُ أن أكون قلمًا؛ وفي العتمة أرى قطرات مِن شغفي تملءُ الكلمات بالحياة، و تملءُ سُحني بالكلمات ورأسي بقرونٍ تبلغ السماء وتملك في طيها كواكب لغوية، وألغازًا وعشقًا. قلَّبتُ يديّ لتسقط حرقتها الأولى، وتطفئ تضرمًا عاث في كتفي فسادًا فرميتُ بثقل العالم عنّي، أصبحت أخف من الريشة؛ وزالت عنّي مسحةُ العذابات؛ ممتدًا في بصري وبصيرتي للغة الأخرى.
أفتتُ قسوتي وأذيقها أرضي الأروم، فتنبت في يدي أزهار الكلمات التي اشتهيها، وتشتهي قُربي؛ عندما أكتبها ثم أجعلها تحبو في قلوبٍ أخرى وتلتحم بها . يا عاهل الجرح الأليم، أطفأ قنديل المأساة ففي جرحك يسري الكلام الطيب، وعب عينيك ذات المسافة وقد جاوزت حدّ الجسد، واستقرت للحُب دونًا عن العالم الأفسح. يا عاهل آلام العالمين يا لغة العالم الحزين انزع عنك رداءك هذه المستحثة قد نُسيت لكتبتها رمزًا للحُب المقتضى الراسخ، والوجود الصريح يا وجود الوجودات الجميلة عم مساءً فاليوم يعبر وجهك للأفلاك لتكشف عن أحلامها في يديك الكتّابة، وفي سفرك الأوّل للأمنيات الحاضرة.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...