
عم مساءً يا صاحب الجلالة، يا ملك الفراقِ اللقاء البقاء.
عمت مساءً يا صاحب الجلالةِ وقد تصرم وجعك وانكشف كلامك للبرايا يحمل عن حزنٍ وسؤال ولقاءٍ وفراق…
كثيرٌ لقياك على الروح، قليلٌ من أجلك تسكبُ الجراح؛ يا جُرح الحاضر يسائلُ الغيابِ عن فتّ عضدِ الأيام والمشاهد التي تؤبُ وقد أخذت منها صورها و جسومها وأصبحت مطرحةً في الهباءِ من شاء أخذها ومن شاء تركها لمصير التيه.
مللتُ الوجوه الرحّالة؛ أقضمُ بعضًا منها ثمّ تختبىء خلف ذكرياتي وكلماتي ولا أعرفها؛ هذا هو الشعور يعجنُ بيديهِ ما كان، ويخلطهُ بكينونتهِ فلا يعود من جديد وقد عاد. يسألونني عن الغياب، ولم أقف لحظةً عن سير الهوينا إلى قلبي، جسدي المجرةُ التي تنطوي على الحُب وعلى الجرح الذي يغير العالم.
فقدتُ يدي لمّا كتبتْ، فقدتُ وجهي لمّا صاغ حزن البرايا، فقدتُ صدري لمّا هطل من بروجه المشيدة حمّالاً الذكريات، فقدتُ جسدي لمّا حطم حدودهُ؛ فصارت تعبرُ منه المشاعر والكلماتُ والذكريات وذاب الحدّ الذي يفصلني عن جسدِ سواي؛ وعرفتُ نفسي بالفقدِ ملمحًا لغويًا، ووجودًا أخاذًا، وحياةً تحمل في طيها فناءً لذيذًا وتفاصيل مُبهمة ومبهرة.
غدت أيامي، كما أُحب أن ألقاني جميلاً؛ ذا صورةٍ مخلوطة بالكلماتِ الخصيصة بيّ؛ أن أقرأنّي ليفتق اسمي عن ضوءهِ وعتمتهِ على حدّ السواء، لتنسحب الأجرامُ لتكون كلامي المكتوبَ، وكلامي الذي يجيء بي شِعرًا وجسدًا جديدًا مغمضًا عينيّ ومكتفيًا بتاريخي المشهود.
أشهدُ على جرحي غورًا، فيوهبُ صمتي حتى أكاد لا أحس بهِ إلا رملاً مشايًا في الظلماتِ يقطفُ السّحرَ والأمنيات ومطر الفوانيس وعبق النواقيس.
جاءت ساعتي لأنهض مِن رملي؛ أجرفُ الوقتَ بيدي لكنّه لا يغيب، مما أخافُ وقد حزتُ الفراغَ في دميّ كتابّا و وضاحًا.
أقبل إليّ، كما أُقبل على وجهي أوّل مرةٍ وأتذكرُ أي مرآةٍ جريحةً وهبتها بكاءً علويًا عصيًا على الزوالِ؛ وجهي الذي يرى في كل وجهٍ قد غاب في صدري بعيدًا يفتشُ عن صمتٍ بعيد، علّه يحملُ أسيةً أخرى بين الكلمات.
طفق الحزنُ يخسفُ عريه؛ وإنّي لأهبه عريًا فوق العري، أجسُ أعضاءهُ فتتفجر منها عيونُ الشِعر؛ واغتسلُ .
هذهِ غمراتُ الجراح قد زالت، وأصبحت بين السطور الجميلة الوضيئة، هذه الكائناتُ التي أشتهي قد صارت ملمح وجودٍ وخلاص وتاريخ لطيف وهذا أنا كائنًا آخر يتهجى اسمه لكتبت كل أيامه سِفر بقاءهِ وفناءهِ في الكلمات، يا عاهل آلام العالمين لن تفقد روحك فانظر جرحك الأوّل تعود طفلاً لم يمسسك حزنٌ أو نصب. استقمتُ على الجودي كتابةً، واستقمت على الذكرياتِ حياكةً، واستقمتُ على اللقاء تقبيلاً فهل تتذكر يا حُبًا قد نمى ووسع الوجود ؟
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...