وددتُ لو أهز جذوع قلبي 





وددتُ لو أهزّ جذوع قلبي فتستاقطُ ذكرياتهِ على الدفاتر نِعمةً وبهاءً لكنّي وهبتُ عاصفةً ذات بعدٍ سحيق تعيثُ فيّ الشتاتَ وتحطمُ الأسوار والحدود؛ فيعبرَ الضوءُ والكلامُ أعضائي، ويبعث الحياة في شتاتي، لأكتب وجهي وأريق وجعي في فلواتِ السطور. 



وددتُ لو أنّي مع جماعةٍ فوهبتُ قلبي يعبُ الوجود وكائناتهِ عدا ما أريدُ، فوصلتُ بما لا أريدُ لما أشتهي وأرنو وزدتُ على ذلك أن أصبح جسدي بوصلّة ومرساةً وهياجًا مستحيلاً يأخذُ ما كنت بقوة حتى أصبح عُمري فجواتٍ وثقوبٍ تأخذ بلبي جذبًا إلى الحكمة، والشعور، ولما تطربُ له نفسي مِن مدلهماتٍ ومصاعب ومتاهات…


وددتُ أن أوهبّ صمتًا بعيدًا في عمقهِ فملكتُ لغةً تُحمل دلالاتٍ لا حدّ لها وتنأى عن الحصر؛ واذا ما مشيتُ كنت أرى بالكلماتِ، وأمشي بالكلماتِ، وأمضي بشأنّي بالكلمات؛ ويؤرخُ في شعور كلامٌ حسن كثير يصبح سلوى فؤادي ومدثر اغترابي ومعدن فقهي وامتدادي. 


وددتُ لو أنّي أُخذت كما أُخذ الثور الأسود؛ لكنّي بقيتُ على عرش الفراغِ لا تُعمل بيّ الخططُ الجهنمية، وذهبَ الذين يلعبون الشطرنج مع الرقعةِ والبيادق في هوةٍ سحيقة يحجبُ فيها الصمتُ والكلام؛ لقد استمر نهمي للعبِ أن أصنع مِنّي قلبًا لا يُعبر ولا يقر بهِ شيء ومع ذا لا ينسى! 


وددتُ لو أُقبل أشواك الأزهارِ والحقول فنبت على شفتيّ غيومٌ وسرابٌ لا تخترقهُ النصال ولا الأشواك، وأصبحت كلماتي شهدًا وزلالاً عجيبًا، وتحوّلت كل أفعالي لتكون مكتوباتٍ وكتابة حية ومستمرة . 


يدي التي وددتُ لها أن تعمرَ البيوتَ عمرت الكلمات؛ فسرى إلى جسدي المُعنّى روح الحُب الذي يمضي إلي بالجمال؛ أن أرى بعيني مالا يُرى، وأحس في أعتم الأحلاك بومضِ الحب يسري في قلبي وجسدي.   يدي التي وددتُ أن ألقى بها قلوبي لم تعد تُحس سوى بالطين المخفوق بين راحتيها! 


وددتُ لو توقفتُ عن عجن قلوبي بطينةِ الحزنِ فوق الحُزن؛ لكن يدي تأبى إلا المُعاناة حتى خرجتُ مِن شرنقةِ ما كنتُ موهوبًا بالكلماتِ والحُب، مغرقًا بالجمالِ الذي يجعلني أطيرُ بين القلوب والفلوات.  وأصبحتُ أقول أكلما اشتهيت قلبًا عجنت؟ 


وددتُ لو أزيد على صمتي صمتًا؛ وتكون الحياة لوحة مُصمتة تتفجرُ منها الصور ؛ فملكتُ جسدًا كتّابًا، وروحًا قد جاوزت الحدّ لما وراء اللغةِ والاسئلة أن أكون في الوجود والعدم سويًا لا في الذاكرة ولا في النسيان! لكني ومع رواح طويل في المعاناة والرحيل كشف ليّ وجه المسألةِ وعرفت أن لا لقاء ولا وداع !  


وددتُ لو أبقى وحيدًا أبد الوقتِ؛ فوعيتُ في صدري الكائناتِ تتمشى في الحقول، وتقطفَ ألذ ثماري، وأعذب لحضاتي تغيب في دجى أجسادٍ جديدة ليكون مِني كائناتٌ وجسوم كثيرة ولمّا يولد لي. 


يا أيها الوحيدُ المنكفأ قد جُمعت إليك قلوبك التي نمّت بيديك لتكتبها؛ و استنطقت ذراعيك لتعجنها؛ و اختارتك دون البرايا لتعيش شتاءك الأجمل يا عاهل القلوبُ قد اجتمعت إليك الذكرى قلوبًا وطينًا يُعجن في فلاةِ صمتك اللغة فانطق باسمك السحاب يمطر جسدك بالكلمات والقلوب!  


يا أيها الغريب، عُد للمقهى قهوةً مُحلاةً بالمحبةِ فيضًا فهذه نعمتك المستطيرة؛ تكن إليك الكلماتُ جسدًا وذاكرة جديدة؛ متوجًا إليك في اللغة، تعبر الأسوار رفيقًا بها فتخرُ ترابًا، وتصافح الكائناتَ فتكون سرابًا وحبرًا لكتابتك وتاريخك يا سيد الآلام القصوى تقبض عليها جمرًا تارةً و مطرًا تارةً وبينهما برزخٌ بين الحياة والموت، والفراق واللقاء.  


هانت أسئلتي حتى أضاعت علامات استفهامها وراحت تصنع أكواخًا وقلاعًا وبيوت برمل الشاطئ مع الأطفال، وتشتري البالونات لترميها في السماء؛ تتغذا على الدهشّة والانهماك ولمّا بحثت عنها وجدتُ وجوهًا غير التي أعرف وقد حولت باللطف لتنطق سؤالاً واحدًا بالكادّ؛ لماذا أحبك؟ أحيانًا كثيرة ألمس فيه حبًا وأحيانًا تذكرني وجهي الحزين الأوّل. 



تعليقات