فكرتُ كثيراً أن أتوقف عن الكتابة، لقد اخترت و بملئ
إرادتي أن أشنقَ ، و أن يحبس صوتي في زنزاناتٍ خصصت لذلك، لكن يديّ ثارت على
الكائن الذي يمنهج محويّ من الوجود، من أنا لو لم أكتب؟ وما سأصيرُ إليه حينئذ ،
لن أكون موجوداً وسأتحولُ لرقمٍ زائد يستهلك ولا يعطي شيئا . إن الأدب والشعر أعظم
ما ينتجه الإنسان، لأنه يكون صورته الأرقى ، يصورُ مكنونه، ويجعل من التجربة
طريقاً لتفحص حيّاة، ولعيش حيّاة أخرى يعيشها آلاف الناس وربما الملايين . لكلٍ
مراراته و أحزانه، ولكل قراءته، لكن المجموع يتوحد في هذا الوجع و إن كان الاختلاف
ثقافياً ، فهو يذوبُ في ذا الحين، وتصيرُ اللغة لمخاطبة الإنسان فينا، فننبثقُ ضوء
يسكن السطرَ مرة بعد مرة لا نمل ولا نكل .
أعودُ لذاتي - صور في الذاكرة مليئة بالشيء ونقيضه عما
أكتبُ عن الحزن القديم، أم عن ما سيأتي و أعيشه اليوم؟ .
سيمضي كل شيء وسأقراني كغريبٍ لفته غلافُ كتابي فقررَ أن
يخوض تجربة القراءة، سأتصفح الصور، وسأحلق بين الكلمات، وسأحاولُ مرات عديدة فهمي
، وكتابتي بالقراءة. هناك كثير من التجارب بالحياة لنكتبها، هناك أحزان تتفجرُ في
قلوبنا فلما لا ننثرُ بذورها على الورق ونعيشُ نموها، ونراقب اليد التي تعلمت
الكتابة كيف أصبحت تخطُ اليوم . لقد طلبتُ مرة من صديق أن يكتبَ عني، لم أكن أريد
ذلك حقيقة، كنتُ أريد قراءة تصوراته عن الصداقة وهذا ما يجعلني أكتبُ الحدث، و
أمعن في أعمق التفاصيل ولأمسح كل ما صار ثم أكتب من أعمق نقطة وصلها إنسان في
التألم والتأمل سيحتاج القارئ عيش ألف سنة مع كل نص ليعيش حقبي وتاريخي .