.
.
سنينَ
عددا مضت، لم أكن أعلم أني مُخزَّن بهذه المأساة فوقَ شعوري، تتضافرُ الأبجديات
لتشيرَ لحزني الأول، لتشيرَ لوحدتي، للوحشة التي أصبحت رفيقة درب، وسليلةَ حيَّاة
موزعة على الموت، الموت الذي قررَ أن يزورنا، ويخطفَ مِنا الأحباب. الحزنُ يجمعنا،
فعندما يأتي ما يحزن و يؤلم يكونُ الجميع قريباً، جسداً وروحاً، ويتحول كل اجتماع
رتيِّب و مُعلب، إلى واحةٍ غناء ملؤها الحُب و الوحدة، ألمسُ جسدي فأرى يديّ صارت
يداً أخرى، لغائبٍ تذَكر، ولقريِّبٍ شدتهُ الدنيا، و أتى به المُصاب الجَلل .
الذكرى الجميلة توجع اليوم، وتتركُ أثراً لا يزول من على وجهي، تذكرني الأماكن
لقاءاتنا، وأسمعُ صوتاً لها في قلبي ، لقد علمتُ الآن كيفَ يُعلق الرحيِّلُ بعضنا
بالآخر، فلا نكونُ إلا كياناً واحد ، وتصيرُ أحاديثنا العابرة، أحاديثَ للتأملِ،
وإمعان النظر . يعلمنا البقاء أن خيِّر ما نكسبهُ من هذه الدنيا الأحباب الذين
يملؤون الدنيا بالسعادة، ويجعلون للأحداث مذاقاً طيباً ، يُغِفل عن ما يُكدر
الصفو، ويعكرُ المزاج . ومرور السنين ما زال يعلق في أذهاننا دروساً ومواقفَ لا
تنسى . تمرُ السنين لأكتشف أن الطرق التي اخترتُ أكثرَ إخلاصاً ممن ظننتهُ أخ
طريِّق، لتريني الأيام أنهُ بالضفة الأخرى، كل أمر قد حدث ينتهي إلا ظلي لا ينتهي،
وكذا يبقى كل من يتشبتُ بهِ، أكثرَ من ذاكرة تتحمله، أكثرَ من فناءٍ لوجود راسخ.
سنين عدادا تركت أثاراً على حياتي، لم تعد الأشياء على صورتها التي أعرفُ، ولم أعد
أدري أينا الذي تبدلَ ! . المضي يحركُ الثابتات ، فلا يبقى حال على حال . رحيِّل خضتهُ، فصلتُ ذاتي التي
أعرفُ عني لأستمرَ بالمضي ، وبدا لي الماضي سُجادةً تغطي الزقاق، ويحملني صبري على
النسيان الذي لم أعتدهُ بعد، ثم أتذكرُ أني ما زلتُ الإنسان الذي يحن لموطنه في كل
وطن، ويسمعُ صوتاً لدمه في كلِ دمٍ حواه. تتفتحُ زهرة لغتي لمطرِ المُعاناة الذي
يروي البسيطة، لتنطقَ باسمي، بكلِ حزنٍ حملتهُ، بكل صفة تحملت ذاتي ، عاهلاً لآلام
العالمين .
راحلاً
من حيثُ ابتداء الولادات، لابتداء النهايات ، لشوقٍ يُعبر عني، لحزنٍ يدلُ عليَّ .
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...