طريق للأيام التي تمضي ..




الأيام تمضي؛ لكن الذاكرة تأبى النسيان، وكأن الحسرات على "الحمق" و " الغفلة" لا تأتي إلا بعد انتصارات الآخرين. لماذا يخذلُ الناس بعضهم إذا كانوا سيندمون عندما لا ينفعُ الندم؟ ؛ هكذا تعملُ الجراح دورَ الحواجز، وكأنها القلاعُ الحصيّنة التي لا يستطيعُ أحدُّ تجاوزها، أو الوصول إليها بحال، بينما تسكن قلبه؛ تعذبهُ في الليلِ و النهار. كل شيءٍ قد مضى، لكن القرارات التي اتخذت بقيت كظلٍ لا ينفكُ عن جسد، وكسلوك رتيّب يضيءُ لوجهِ الحزن في المدينة. الآن تدفعُ أثمان باهظة للكلمات التي قيلت بلا  إحساس أو تحسب، وكأن لا قلوب تنبض إلا قلوب المُتكلمين، بينما الحياة تسري في تفاصيلٍ كثيرة؛ وفي مواقفَ تترى.
وكما تمضي الأيام، تمضي الذاكرة بطريقٍ لا رجعة منه، هكذا أُحس؛ إلا أن دروباً لا يعرفها أحد تدلُ علي، لأكتبَ عن الألم، عن الضياع الذي يسكنُ اهتدائي؛ ليفجرَ معنى جديد، لم يطرقهُ أحد، لم يحس به " إنسان " آخر.
إن ما أوجعني بشدة في يومٍ من الأيام، أصبح بلسماً، أصبح أعظم الأدوية لدواء الجراحات، وصارَ للآخرين الذين اقترفوه وصمةَ عارٍ تلاحقهم في كل لقاءٍ يتجدد، وفي كل حديثٍ عابر ينكأ الجراح التي أوجدوها بأيديهم، بأفعالهم بلا تعقلٍ ولا دراية.
لا أُحب سماع كل الكلمات التي تصفني بالطيب، وبصاحب القلب الأبيض، وبالعظيم ؛ إذا كانت تعني أننا لا نستطيع أن نستمر في معرفتنا، في علاقتنا الإنسانية، كل ذلك لا يعنيني . أن تكتشف الخطأ وتحكي عنه شيء جميل، لكن إصلاحه وتجاوزه " أجمل " بمئات السنوات الضوئية، لا فائدة من اكتشاف الزلل إن كان سيبقى للأبد، ولا فائدة من " التذكر " إن كنا سنعيدُ الكرَّة مرة أخرى، وكأننا آلات ـ لا كائنات تستطيع أن تعي أن العالم مليء بالتجارب الجديدة و بها نصيرُ أقوى ، أعمق في فهم الذات، و فهم الآخر فينا.
الذاكرة دليل على أننا نعيشُ حياتنا كذواتٍ كثيرة، لذا يبرزُ فينا المُختلف، وتتشكلُ صورة الأنا.
يغطي الليل وجه المدينة، يحجبُ الضوءَ عن الحزينين ، ليبكوا. بعضهم احترف البكاء فصار " قلبيا" ، يجرفُ بالذاكرة لمهاوي الألم ، للثقب الأسود الذي يجمعُ كل الراحلين ليندبوا أنفسهم حسرات . بعضهم يدلُ عليه البكاء من "وجهه" الحزين ، من صوته الذي يحكي وإن لم يحكي، من العبارة، من الشوقِ الذي لا يحسُ به أصحاب القلوب الصلدة.
تمضي الذاكرة بنا إلى التعايش ، إلى الإحساس بأن كل شيءٍ على ما يرام ، بينما يتلمسُ فينا الآخرون " الحزن " و تحتضنني الأرضُ بلطفٍ لثقل ما تحملهُ النفس .
عبرتني الطرقات التي سلكتُ، وصارت مُدناً في قلبي متشبعة بما حدَّث
إنه مُصاب جلل ..
إنه طريق آخر يتبدى لأسلكهُ ...

تعليقات