ضوء للقاء الذي كان .



 .


تغص أضواء المدينة بالذاكرة، ويسمعُ من هول ذاك صرخات لأناسٍ نسوا مُغادرة المكان. أنفضُ عني لقائنا الأول و الأخير ليتشبثَ بمقبضِ بابِ غُرفتي ، أَمسه كل يومٍ مرات عديدة وأُحس بحسرةٍ كبيرة، أتنسى ما صار بالأمس، فأعلقُ بالباب عشقاً و هياما . ألاحظ النُدب التي خلفت مع الأيام على وجهِ الباب، وأتحسسُ بيدي أثراً يذكرُ بما صارَ في القلب الحزين، ما عدتُ أدري أيهما أشدُ حزناً، حتى صاحت بي أصوات الراحلين ، وكأن الصدى الراجع سيف يشطرني إلى إنسانٍ راحل ، وإنسانٍ عُلق بذي المأساة.  مقبضُ الباب المكسور يألم يدي، أنا أرى أثراً له عليها، لقد تكونت علاقة عميقة بينهما حد الوجع، وما أعمقُ الوجع دالاً، وما أعظمةُ مُنبثقاً لسلوكٍ يُفرخ الحياة بأشكالٍ عديدة.  لم أعرف كم عدد المرات التي عبرتُ بها ذا الباب، لكني أعرفُ مكانه في قلبي ، أُريد أن أنسى لذا هناك الكثير يذكرني ، لقد دفنتُ بالماضي حدَّ الفناء. يُبنى الكثيرُ المؤثر على قرارٍ اتخذته وما اعتقدت أنه سيكونُ بذا الأثر؛ فقد عمقت وحدتي إلى نقيضها ؛ وأسكنني ذلك الكائنات حُزناً، وحُباً . ذا هو الفيصل ؛ أرى ساكني الفؤاد وقد أعمروا ذاكرةً بذكرهم حد الصمت فها هي دروب سلكوها ، وذي مبانٍ قطنوها فعلقت بهم ، وتلك أحداث ولِدت ليكونوا أُسها ومنشأها . أُمر بالمرر الضيّق خلفَ غُرفتي وأستمع لأحاديثَ عابرين لا أفهمُ لغتهم، ولا يفهمون صمتي ، و بذا نجتمع، و نحضنُ بعضنا البعض عن بعد، لا يعرفُ الآخر الآخر ، ومع ذا يُحبه ، ويعلقُ به ليصيّر سراباً عشعش بالمُخيلة وصار يتشبث بجسدِ المكان.  الحياة الروتينية التي أعيشها جعلتني أبتكرُ طريقةً جديدة في النظر للأمور المُكررة ؛ كل مرةٍ جديدة أنظرُ من جهةٍ أخرى ، وأكتشفُ معنى جديداً وأن ما ننظرُ له إبتداءًا قد يكونُ خاطئاً. كثيرة الأيام التي مرت حتى بلغتُ هذا المكان فتلبسني بعد ذلك، لا أستطيعُ النسيان ، لذا ما زلتُ معه في صراعٍ شديد يتركُ أثاره على وجهي الحزين، لم يعجبني أبداً أن أعيش حياة فارغة يدخلُ فيها أناس ثم يرحلون ثم يبدلون بغيرهم وكأن العيش يهنئ بعمل المُقايضات في متاجرَ بيع الخُردة " الصالحة قليلاً للاستعمال " لذا يبقى المُستبدلون على ذلك: حتى يستبدلوا أنفسهم فيكونوا مُنقرضين . لم يُعجبني أبداً أن أكون مُنقرضاً كدينصور بينما أنا باقٍ للآن، لا أريدُ أن أكونَ مُنتجاً بتروليا يُباع هنا وهناك بأغلى الأثمان بينما يفقدُ قيمته أثناء فعاليته وجودتها؛ هكذا نُعطي الأشياء الهالكة والغير صالحة  " قيمة " ما نتخليها و نُعممها على الآخرين؛ وبذا تكتشفُ المُختبرات الفاحصة العظماء بعد فوات الأوان لنضيف لصفحات التاريخ صفحاتٍ أخرى. أحدهم يتسلل هنا وهناك؛ ويأخذُ طرقاً صعبةً لا يمكنني فهمها ، ليهربَ ، وليتملص من كل شيء ثم يدعي النسيان. لكن قدميه ما زالت تتذكرُ الطرق التي سلكنها لنصلَ معاً لأماكننا المُحببة، ولا زالت ركبتيه يتذكران كم ثنيتا طلباً عِند العظام . يريد النسيان ونسي أن الذاكرة تنثرُ التفاصيل لتغطي بها وجهَ العالم ، هذه المدينة تحكي عن كل ما كان، عن الماضي الجميل الأليم ، وعن الحب المُعلق بالنفوس . لا شيء يُغير قلبي كما كان مُحباً سيبقى لا لأجل شيءٍ إلا أنهُ نسي قدرته على فعلِ أي شيءٍ آخر. تتجمعُ الدلالات أمام ناظري وتشيرُ أصابع الحدث إلى خيانةٍ سمع بها  الجميع لكني نسيتها و سرتُ بالطرق التي جمعتنا حتى صُهرت بها لا أدري أينا الآن سائر ، ومن يُسار إليه .

تعليقات