عُلق اسمي بهاوية النسيان ليبقى لأبد
الذاكرة. لم تعد الأحاديث تمضي سريعاً كما كانت من قبل؛ الآن تتوقفُ قليلاً، وتدخل
ألاف برامج الفحص قبلَ أن تستقر بقلبي. ذا يرعرعُ الحب، ينميه بصدري، ويرمي بشذرات
المأساة في هباء ذا التسارع المُقيت للحياة، الكل يمضي بسرعة حتى لم يعد أحد يشعرُ
بشيءٍ في ذا السباق الذي يخوضه الإنسان لنهايته.
علقُ اسمي بهاوية النسيان، الكل يمضي
لكن الذاكرة تأبى إلا سلوك ذات الطرق، وعبور الأزقة التي وطأتها أقدامنا لتعلقَ
بثراها للأبد . لم أكن أعلم أن المضي سيمعن في دوره إلى ذا الحد، كل شيءٍ انتهى
والآن قرب وقتُ الرجوع. لقد قربَ ما سرتُ إليه ليكون ماضياً، ولأكونَ إنساناً قد
رحل بعد إذ أتيت. لقد حملتُ الحزنَ للحالة القصوى والآن أتحسس ضياءًا يعبرُ
ذاكرتي، ويحطُ بيديه الحانية على وجهي الذي ملَ العتمة، وحان لهُ أن يعبرَ النور
لطريقه الذي اختار.
تريدُ الوجوه التي سكنتنني أن تنقرض
على رصيف ما مَر؛ لا أدري أقيض ذا أم صقيع
يشدني لأتوقفَ تارةً ولأهيمَ بوجهي تارةً أخرى إلى حيثُ لا أدري أينَ سأصل؛ هكذا
ما أعلمهُ لا يفيد بشيء، هو يزيدُ حسرتي، ويسكن صدري آلاماً أخرى .
كل الكتابة التي عبرت بي العالم تتجمع
الآن؛ أنا أتذكرُ كل حرف كتبته في غرفتي على شارع الرياض، كل حرف كتبتهُ بالمقهى المكتظ
بي حدَ جنونه بالضجيج، وبأصوات العابرين التي تختبئ خلفَ أضواءه، خلف مقاعده
الداكنة. أرى الحروف كيف تصنع جسوراً بيني وبين العالم، وصرتُ بكل ذا السفر الذي
يسكنني مُقيماً في كل ما ذهبتُ إليه وما لم أذهب.
يبدلُ الماضي جلده، ويصير نفسهُ
مستقبلاً أعيشه، كل حدثٍ أليم عشتهُ لأعيشه بعمق صورته في فؤادي، ولأسماع صراخ الآنيين
من القديم لسكون الأبجدية الآتية.
تبدلُ " الكلمات" أو صورتها
فيَّ لأفولها بالذاكرة، ولإشراقها كل صبحٍ جديد في كل نصٍ أكتبه، وفي كل ورقةٍ
أقبلت لتحوي ما كُتبَ .
الآن يأتي رحيلي الذي لم أختره، و
يرحلُ بقائي الذي اخترته ؛أناس علقوا باللقاء عرفتهم ؛ أناس علقوا بالموقف الذي لم
نختره لكنهُ جمعنا وصار سبب لفرقتنا. أنزعُ مني وتدَ المودة المستقر بقدمي
العابرة، لأعبرَ من علوي لعلوا الأشياء التي انصهرت بي فما عدتُ أعرف أينا ابتداء
الآخر فيه ! .
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...