من غيري لأعرفه ؟





لم يبقى غيري وبعضُ الذكريات التي تنسحبُ شيئاً فشيئاً من المكان؛ تهيمُ بوجهها في الأرض لِتعود إلى حيثُ كنا وقد نسينا ما كان. لم أعد أمتلك القدرة على التوقف ، ومنذ ذاك الحين والأشياءُ تتوقف بقلبي ولا تجد سبيلاً للرحيل عنه. أسيرُ للآخر، ويسيرُ الآخر إليَّ ، حتى نتوقف عندما لا نمتلك القدرة على المسير ؛ عندما أصلُ لبعضي بالآخر، ويصلُ لبعضه فيني بأفكاريّ عنه، وبأفكاره عني . الإنسان أكثرُ الكائنات فهماً لذاته، لكنه لا يعرفُ أنه يعرف، وهذا ما يوجهُ بنظره للآخر ليكشفَ لهُ " عنه " و المستكشفين لهم وسائل عِدة، فكل له طريق ، وسلوك ، يظهرُ للمبحوث فيه ماهيِّة الباحث. كل شيء مكشوف . يسعى الناسُ لمعرفة بعض الأخبار، ما كان ، أحياناً ما سيكون ، لكنهم يتركونَ الظاهر الماثل أمامهم والذي يُغني عن كل إجابة ويبحثون في نواتج هذه المُعادلة أو تلك دون وعي بها. إن واجهة الأمور تدلُ عليها . لم أعد أريد التوقف حتى أحجب عن عيني إمعانها في شهوة اكتشاف أنايّ بالمرايا البشرية، وصرتُ أعود إليَّ لأعرفَ من أنا اليوم بكل تراكمٍ جديد يحدث، وبكل ما اخترتُ له البعد عن قلبي . القلب مُتجدد العمارة ففي كل يومٍ أرى فيه مشيداتٍ وحقولَ وأنهار و زروع ، وصحارى، ورمال ؛ وأرى وجهيّ في كل تلك التفاصيل المُختلفة والتي تجتمع لتكونَ هذا الإنسان الذي يدلُ عليه الحزن الأقصى حدَ أعظم الفرح. الآن لم أعد أحن لشيء، بينما كل شيء موجود في قلبي ، الناس الذين أحببتهم، الأماكن التي سكنتني وجعلت بعضاً منها في الذاكرة يظهرُ عند كل حدثٍ جديد يُذكر لأعود من جديد لقلبي و أسئلهُ. لم أعد أريدُ شيئاً بينما ذاكرتي تحوي كل ما أردتُ سالفاً، وأراهُ جلياً أوضح من كل صورةٍ أو مشهد . أرمي بهذا الجسد المُنهك على سريري، وقد خلعتُ ذاكرتي خلفَ الباب، وأسمعُ لأوراقي صوتاً إذ يتلاعبُ بها الهواء ، وأحجم عنهُ ، لتتطايرَ شيئاً فشيئاً وتمتلئ الغرفة بذاكرتي المُختلطة لا أدري أيهم كتبتهُ أولاً، وأيهم محوت . أتشاغلُ عن كل ذلك وأنفضُ عني الأرق، وأنومُ قرير العين بعد إذ قررتُ أن أفعلَ منذ اليوم الذي لن أتذكر فيه أي أحد، ولن أعرف فيه أي أحد غيري .

تعليقات