المستكشف الذي عاد

بطريقة المُستكشف، أو رؤية الطفل، تبدأ قِصة جديدة مع الكتابة. أبحثُ عن العالم فيه، وبهِ فينيّ ملاين التفاصيل التي تجعلني لا أتوقف عن الكتابة. تترامى الأحداثُ في ذاكرتيّ وتنشئ أحداث أخرى عنها؛ لأجدَ سبيلاً أخرى للكتابة. 

لا يبدو الماضي أليفاً رغم أني عشتهُ حدَ نهايته، هناك ما يظهر في الوجوه بعد المرة الأولى، تتبدلُ الصورة، وربما الذاكرة. 

الحُب رغماً عنيّ يعيدني لخط البداية بعد كل مرة أُبعد فيها عني، لأعود مشتاقاً لوطنيّ. يبدو كل شيء على ما يرام حتى تكشفَ الكتابة ما سُترَ، أنا أمتلكُ عيناً بصيرة عندما أكتبُ، بخلافي عندما لا أفعل فأنا أنسى الوجوه، والأسماء، ولا يبقى منها إلا قليل أحملهُ أينما أحلُ كمستلزمٍ للبقاء وكطريقة حياة أميزُ بها عن الآخرين. 

استيقظت مُبكراً رغم أني لم أنم جيداً، أنا أعرفُ من انعكاس وجهيّ بالمرآة كم أنا بحاجةٍ إلى النوم ؛ لذا تجرني قدمي للسرير، غير أن هناك سبباً وجيهاً يبقيني مستيقضاً، أن أتنفسَ الوجود الفسيح بالكتابة؛ أن أمحو عني الذكرى المؤرقة، و أجعلُ من بدايتي بالكتابة بدايةً لنمو بذوريّ في أماكن أخرى من الأرض، ومن الذاكرة. 

الآن تبدو الأشياء جامدة لحدٍ كبير، أثات غُرفتي لم يعد ينطق بشيء، ولا الأوراق التي كتبتها تنطقُ بشيء ، حتى أنا فقدتُ القدرة على الكلام لأُقيد بالكتابة أكثر مما مضى . 

هناك ما أتذكرُ شطره، و أنسى أين أضعتُ باقيه، ذاكرتي مليئة بأنصاف الوجوه التي لا تستبينُ كثيراً، أنا أعرفها، ولا أعرفها، ويظهرُ بعضيّ وقد علقَ في بعض الملامح، فتصيرُ قبلة للحزن، وعلامة عليّ رغمَ الرحيل تبقى بعض أرواحنا مُعلقة بالأماكنِ، بوجوه المُتذكرين ، حين يجرح الحديث العابر جرحاً غائراً بالنفس، ويبرز للسطح بعض ما كانَ، فتمثلُ الحقيقة عياناً بياناً لا يحجبها شيء عن الأنظار، ومع كل هذا الإنكشاف لا يراها إلا قلة ما زالوا يمتلكون قلوباً نابضة، ومشاعرَ تلمسُ الأسى في الآخر ليظهرَ جزءًا مما تُحسه. لا أعرفُ كيف مضى كل هذا الوقت ومع ذا ما زالَ الناس عالقين بقلبيّ لا ينفكون عنهُ، لقد مضى وقت طويل و أنا مُقسم بين الذكريات المُترامية، و الأوجاع التي تبقى أناتها مُحبوسة بالصدور التي فقدت الحيلة أن تقول كلاماً جديداً. أتهادى كضوءٍ ينسحبُ ليضيء مكاناً آخر مشتاق ينتظر، و يظهر ليّ بابتسامة الناس أحزانها. أسمع وقراً بصدريّ لراحلٍ أتى، غيبهُ الهجر، و أتى به لقاء بالذاكرة . و أجيءُ ؛ يسمع للغتي تدفقُ بالصدور التي تقرأني، و أُحبها. لأعلم أن المستكشفَ المتشبث بكتابتي سيحثني لأعيش بما أكتبهُ، أن أتنفس آلام العالمين لأسطرها. 

تعليقات