لم أعد أتذكر .



 (4) هذا النص الرابع ضمن مشروع مليون كلمة

لم يعد التذكر يجدي فلا من رحلَّ عائد، و قلوبنا ما عادت قادرةً على عيِش الفرحة ، أنا أعرفُ الآن كيف فقدتُ إحساسي بالفرح لذا لم أعد أنتظرُ أحداً. إن من يصيرُ جزءًا من قلوبنا، لا يمكن بحالٍ إخراجه مِنه، والراحلون أجسام ضارة حاربتها مناعة الفؤاد، فطردوا مِنهُ، لا يهم من قررَ أن يخرج أولاً أنحنُ من قلوبنا، أم هم، لكن هذا المكان مازالَ يرفض بقائهم الملوث بهِ. النهايةُ موت، جميل أن نلتقي بعد إذ متنا في مكانٍ ما من هذا العالم كأمواتٍ، أو كأحباء لم يعرفوا قبل هذا اليوم أنهم كانوا كذلك .  كل غياب يعلقُ بحضورٍ يأتي ليصيرَ، كل هجرٍ يجلبُ معه لقاء ليّ بنفسي ويتكشفُ لي مع الأيام مواطنَ القوة فيني . لا لن أتذكرَ وأنا لم أنسى بعد ، لكني لن أعرفَ أيُ كائنٍ كان هُنا وأحببته، وكيفَ صار كائناً آخر الآن يسيرُ في الحياة بلا قلبٍ يحس وبلا رئة كانت تتنفس ما أكتبهُ، فصارت اليوم رئة منقرضة تتنفسُ التلوث في الكرة الأرضية. سيمضي كل شيء، حتى لا يتبقى أحد، يأتي الوقت وتأتي معهُ عوامل التعرية، فتمحى وجوه للأبد، وترمى أسماء في سلالِ المُهملات، وتتبدلُ الحياة وكأنيَّ أعيشها من جديد كل مرة بأحبابٍ جُدد وبأناسٍ ألتقيهم كل مرةٍ كما لو كانت هذه المرة الأولى؛ نبتسم ؛ يعرفُ كل منا نفسهِ للآخر ثم ننسى في الغدِ أينَ التقينا فنعاود الكرة مراراً. تبدو الأمور جملية عندما تتكرر كل يوم ، لكنها لا تتكرر ، فأنا أذهبُ مع ذات الطريق لأصل ؛ لكن شعور بالطريق الذي ينمو كل يومٍ أكثر يجعلنا صديقان حميمان ، صرتُ أتفهمه جيداً، أراهُ يبتسم للمارة الذين لا يحسون به، وأراهُ حزيناً آخر الليل عندما لا يمرُ من عليه أحد غيري فنتسامر لينسى ، ولأتناسى حزنيَّ العميق الذي أرتفعَ عن كلِ سببٍ أو إرادة. أكتبُ الآن لألتقي بيّ بين الكلمات، نتحدث، يعرفُ كل منا الآخر أكثر، و أزداد إيماناً بأدواريّ، بما أنا عليه، وما سرتُ له منذُ البدء.

تعليقات