أكتبُ على ظهر الجدار .




لم يتبقى وقت، جاءت النهاية، وعلى غير العادة؛ يتلاشى المكان ولا أعرف أي طريق يؤدي إليه. تتساقطُ الذكريات كورق الخريف وترحل الخضرة لموعدٍ لا نعرفه، علاقتنا بلغت قطافها، و لم تجد زارع لبذورها، فالأرضُ لا تقبل إعادة هذه التجربة المُرة؛ إنها أكثرُ وفاءً ليّ من التائه فيها. ليست هذه نهاية، فلم نبدأ بعد، هذه البداية؛ أن يمحى كل ما كان ويصيرُ نسياً منسيا. ذاكرتي غير قابلة للتكرار، فلا أعرفُ تذكر نوعٍ من الألم مرتين، أنا أُحس به مرةً واحدة؛ لأتعرفه؛ ثم أقرأه عندما يأتي. أنسى قبل كل وقتٍ، وقبل كل بداية، لم يتبقى منيّ لأعيشه مع البشر إلا النزر اليسير فلا أنا معهم، ولستُ في صراعٍ أفتعله لأعيش متوهماً أني موجود بينما أتوه في مشاعر تختزنني بالآخر، وتجعلني مرآة للضياعِ عن الذات. أعودُ لأكتبَ عندما يغادر الجميع المكان، أنا الأشدُ وفاءًا للكائنات. أتسامرُ مع تفاصيله، ونتذكرُ سوياً من جمعنا به اللقاء، ومن جمعهُ بنا الفراق إذ هو لقاء آخر. لا يمكن أن نعرف ما فعلته بنا الأحزان دون التذكر، رؤيتنا عنه يجعلهُ محزناً أو مُفرحاً لم يتغير شيء لكن طلبُ الأشياء هو ما يجعلُ هناك حداً بينها ؛ طالبُ الفراق خاضع لقوانينه ولو تبجح بالكرامة، و المُتألم طالب للقاء.. كلاهما طلاب لكن أحدهما ليحيا والآخر ليموت. يغسلُ الوقت أثر الجراح، وتبقي التجربة أثراً لا يزولُ من الفكر، ليتلمس الإنسان معدن الإنسان.. ولتبقى الذكرى تراكماً يُعين على مدلهمات الحياة. زال توقي وبقي الحُب الذي يزدادُ يوماً بعد يوم أكثر من ذي قبل، كل تلك الصفات التي تتبع الحُب تجعله فاتراً بعد إذ لذا لا أعرفُ إلا أن أُحب. أعودُ ليَّ المكان الذي لا يزول، وأرى كل ما أردتهُ شاخصاً وأتذكرُ؛ لأكتبَ ، وأكتبُ لأتذكر أن " التوقف" عن ذلك موت أختارُ أن أمضي به الحياة. أقتربُ شيئاً فشيئاً من جسديّ أتلمسه لأحسَ بأجسادٍ وذاكراتٍ أخرى تسكنني لأنطقَ بحزنها وأصيرُ معنى يدلُ عليها. يمضي وجهيّ مني، يغادرني لتسكنني وجوه أخرى، أنتزعُ منها شبهيّ، وأراني في المرآة لم أتغير أبداً رغم أني تغيرتُ كثيراً، لا أريدُ لمظهري أن يكونَ علامةً عليّ. أقررُ التحدث مع صديقي الجدار ويلح عليّ أن أكتبَ على ظهره نصي الجديد، لكني لم أعد أمتلكُ قلماً غير فكريّ، ولا حبراً غير دمي ؛ لذا يشتدُ في منعي عن فعل ذلك. هكذا يطلبُ النقيض بعد إذ يعلمُ ما مغبته، لم أعد أسمعُ شيئاً الآن غير صوتك، ولم أعد أعي غير لُغتك، ولا أُحس إلا بك، غابت الكائنات لتحضر فوقَ كل حضور، و وجود في عالميّ ، ليكون أنت . مرَّ الوقتُ، ومررتُ بالوقتِ أعي جسدي العالم، وحزني الكونُ الفسيح الذي يُعمر بي ويسمو ليحوي المُتناقضات.

تعليقات