جاء الصبحُ متوشحاً ظلهُ يقول: أن
الأشياء تطوى في نقيضها.. جاء الصباحُ، أشرقَ.. وما أشرق اليومَ إلا لتزدادَ
العتمة ، إلا ليزيدَ في الظل و الغيِّبْة. جاء الصبحُ و أنفلقَ من صدريّ.. أشرقَ، وأضاءَ،
ثم غابَ في ركبِ الراحلين وذابَ.
أمسيتُ أقسم الضياع عليّ في صورٍ
شتى.. فيتداعى بعضيّ لبعضي مُجتمعا. أمسيتُ
أقرأ لليل سفر موجعه، تغني أعضاءه للارتجاف وتحيي حفلاً لتعتزلَ النهار .. فيسفرُ
عن وجهه، تذوب فيه تفاصيل اللقاء والوداع وما بينهما من ضحك وبكاء .. ها هنا حقلُّ
يمحى ، و زروع اختارت السفر عن " الأرض " التي عشقت ؛ يضيعُ العشق ،
ويولد في كفِ صبيةٍ في الحي الجنوبي ، يولد في قلبِ زهرةٍ أبت إلا الطلوع بعيداً
عن الأزهار..بعيداً عن الحياة التي ما فتئت عن الرحيل . أمسيتُ وأمسى المساء عليّ ، نتسامر حتى يأتي
الصباح ويصير مساء. أمسيتُ، أصبحتُ، حتى
لم أعد أعلم أين أنا منهما، خارج منهما، جزء منهما، راحل منهما، وطالع منهما.
يفتتُ سؤال عشش في عقلي بطول
التأمل والمسائلة، فراغُّ في قلبي يحكي عني ، بياض في قلبي يحكي عني، جرحُّ منهمر
يحكي عني. لم تعد الفصول إليّ..أنا اليوم بلا طقسٍ، أو حدود، يوصلُ الأول مِني
بالآخِر.. تفتحُ الأبواب الموصدة، تخلع الأبواب، وتنتهي الأشجار من ولادة الأبواب
. أنثرُ الحَّبَ للطيور في صدري، وأتأمل أيها راحلُّ من نافذة القلب، وأيها باقٍ
فيه.. وأزدادُ في العودة إليّ عندما أرحل عما كنتُ في الماضي. ينهمرُ نهر من يدي،
يسقي الجراحَ رغيفاً ..يسقي الكتابة فيضي . عندما تغيب، تجعل من ماضيك طريقاً
لِتعبر لضفة أخرى، ولعالم جديد، ثم تقول : أنك قطعت كل (صِلاتكَ) بما مضى ! .
تتشكلُ ذاكرة أخرى، تريدُ الصدارة، أن تكون مُحركاً لنظام عيش بنيّ عن أنقاضِ نظام
آخر.. الأنقاضُ أعضاءُّ، الأنقاضُ جسدُّ، تشكلَ بصورةٍ أخرى.. كما نكون بصور كثيرة
مع اختلاف الرؤية في كل فؤادٍ مختلف. عندما تنظر بقلبك للأشياء، فلا تحتاجُ لرؤية
شيءٍ آخر ، ولا تحتاجُ لترى بشيءٍ آخر ؛ لأنك سترى ما يغنيك عن الرؤية، وعن
التذكر.
عائدُّ إلى قلبيّ ؛ وطنُ الذاكرات
.. أفيضُ الماء على جسديّ، وأفوضُ " الذاكرة" بالرحيّل إلي .. زراعُّ
هنا، وهناك، أوطان هنا، وهناك، تكبر.. وتكبر في قلبي ، وأنا أكبرُ فيها.
يعلقُ في يديّ للندى عطر يحكي ..
وصوتُّ في عضدِي يفتتُ درب الكآبة
.. لدرب الحشود..
لحبِ آخر يطلعُ كفلقة الصبح..
كصحوة الطفل الذي لِعب حتى حكى الزمنُ للحاضر من غابَ.. ومن حضر .
أحِبَ من شئت.. وسِر في دربك ما
شئت .. يولد " العالم" من صدرك الذي يرى ، ويطلعُ عليّ الليلُ عاهلاً
لآلام العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...