طال المقامُ في
قلبي ؛ خرجتُ، هُمت على وجهي، ووعيتُ يدَ الرصيِّف توقض فيَّ الشعور بالحرارة، بالفقد
بين الضلوع ، إنهُ الصبح المُسرع؛ يدقُ بندوله على جلدي. أصبحت فكرة تلمعُ في
عيني؛ يقرأها كل من ألقاهُ، ويِعجزُ عن قراءتها ؛ إنها الأشياءُ عندما ترى ولا
توعى مكامنها. طالَ المقامُ، قصرَ المقامُ، ولم يبقى في القلبِ وطنُّ أو مُستـقر
... خرجتُ، وخرجَ معي من خرج، جزء تبعثر، وآخرُ احترق، ونفس هنا تبكي ضياع المدى
في المفارق والدروب ما عادت إلا قليلاً... يا عاملَ الجرحِ، هُدَّ علينا من
الأحاديثِ طيبا، هُزَ الجراح، وأقبل لأدمعنا رِكاباً وزوارقَ ، أبحر، واركب عنان
ما كُنا و مِا صرنا، جدف لمحو مقامٍ زالَ وما زالَ فينا ينكثُ أحياناً يحفرُ في
أحايينَ ، نادِ أسمائنا، بدل فيها عندما نصل حتى لا نصل ، قُل أنك لم ترى، و أنَّا
شيء من رثاثة أودعها الضياع . ماضٍ لمضي أشياءٍ فيّ، أرى من يسعى...كيف يدفنُ في
الأرضِ التي يرنو، وكيفَ يجلو صوتيّ بعضَ الجراح... عتيقُّ ما كانَ... ورِثتُ عنيّ
حزناً بالغا ووجه بادَ ، وصار من الذكرى في بعضِ مكانٍ تنزوي عنه الشمس، ويضيئه
الليل البهيم ، الليل شمسُّ للساهرين . صببتُ جراحيّ في الجرارِ، وقطعتُ في
البيداءِ همس الذكريات، أسمعُ في صدري كلاماً تجلوهُ الرمال، أغيب في صدري، ويغيب،
لا قصد لنا ... لا وطن لنا ... لا مكان يجمعنا ؛ عدتُ لضيعة القلب، أفتشُ عن نشأتي
؛ ما نشأتُ هنا ؛ كل ما فيها غريب غريب... عدتُ لضيعة القلب، وعادتَ من حيثُ لا
أدري جراحاً ومراكبَ للدمعِ تعبرني. يا ضيعةَ القلبِ، حطي في الرمالِ وطناً، و أبعثي
في أنجمي تعباً وقيلا. يا ضيعة القلبِ، توهي في القادمينَ إليكِ، كوني ضياعاً
لبلدان كثيرة، وزعي أسمائها على فتيانِ الحي ، وأنسي أيُ الديِار أكثرُ ربيعاً
وأقومُ جيلا. يرتدُ خواء الصدور صدىً يملأها، ويهزُ أشرعتي، لأعبرَ ما كان، وأفتحُ
شِراع القلب للفسحة . خلعتُ دمي وأبدلتهُ أرقي ، خلعتُ معصمي وأبدلتهُ بَلدي ،
خلعتُ مِعطفي وبدلتهُ جسدي. يا تائهً أقبـــِل ، قبل آثار الراحلين، قبل أكاذيب
الوداع، وصمتُ اللقاءِ الذي فقدَ البريـق، والعيونَ التي ما عادت للبكاء ، بُل
المكان... ليزهِــر علينا عِطراً وكواكبَ ، بُل الطريق أشهباً وقصائدَ تضيءُ من
يسعى .... أسفرَ نور في قلبيّ، طوتَ شِراعه، وهدّ وجه السـفر، عادت أبواب لأشجارها
؛ حان وقتُ السفر ؛ وطويّ ما كان . يا عاهل الجرحِ اشرب من دمائكَ شاياً واستطب،
ارشف عبقاً من الفصول التي سَقَطت، وصب من الشتاء متدفئاً وزنجبيلا ، أُغزل من
الذكرى مِعطفاً يملئ الدواليبَ دفئاً.. وفتش في مساحاتِ الصدر الحزين عن عود ثقاب
يحرقُ غابات الذكريات، راقب حطام الذكريات، كيفَ يصيرُ المذكور في لمحةٍ نسياً
منسيا ، وأنظر للرمادِ كيف تذوره الرياح، كيف تتلاعبُ به.. ويمضي إلى فناءهِ أمام
ما كان في الماضي ... راقب تحولات قلبك، الرماد ينهض مدناً.. المدنُ تنهض لغاتٍ
وحكايات .. والحكاياتُ تصير مستقراً وأوطان مكتضة بكثير من الكائنات، بكثير من
الآلام التي سكنتك مُنذ الوِلادة . مُحي
المقام في قلبي؛ عدتُ لأوطان نشأت من بِذوري؛ الوطنُ لحدُّ يَعاد إليه، طويِت
نفسيّ و ابتدأت من جسدي . يا عاهل الآلام أقبل، وأحكي علينا شيئاً مما مضى ،
سامرنا، طبب جراحاً من جراحك، ليحكي التريــاقُ من تكون.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...