لم يورد للمكان
أحد، إن الفراغ هو سيد الموقف الآن، الفراغ الخالي، الفراغ الممتلئ بالصمت. أتفقدُ
الأماكن الخالية في صدريّ، فأجدها حقولاً وغابات بين ليلة وضحها، تذوبُ
الذكريات في نفسي، وتكون جزءً من مكونها، تغير كل مكان، وغيرت الأسماء جلودها
لتعيّ المعنى الجديد. هناك جديد في كل سابق له، وسابق في كل جديد يأتي، هذه
السلسلة الممتدة، تضع الذكريات على المحك، فتصقل، وينتهي منها قدر كبير، لا يوعى بالسلوك،
ويرى بالمشيدات التي يرتادها الناسُ في نفوسهم ، لكني أحطمها بفيض يعيها فتضيع
تفاصيلها فيه، ظاهرةً بصور أخرى، متناثرة في كياناتها التي تنتمي لي، وتشكلُ
دليلاً عليّ؛ طريقاً يقود السائرين إلي . ربما لم أعد في الوقت الذي أعود فيه؛ لأن
قلبي ليس حاضراً هنا، كل الحاضرين يروني لكني لستُ موجوداً، أنا غائبُّ منذ البداية
عن التفاصيل هنا، أنا شفاف جداً تعبرني الذكريات، والضوء الذي يأخذ بعضاً من جسديّ
ليضيء سطح جسم ما يريد أن يُعبر عني، لأعبرهَ .. جميل هذا العبور، أن تمضي بك
" ذاكرة" كاملة ؛ كيف تبتدئ؟ ، وكيف تنتهي ، كيف تدلك على مكنون نفسك،
عن الحُب في الأشياء، وعن الجمال فيما لا تراه الأعين وتعيه القلوب النابضة بالحب.
جئتُ إليّ، ورأيتُ مسحة السنين كيف غابت، كيف صار الجمالُ طفولةً، وبدأت ألعب في
لعبي من جديد، ثم نهض العاهلُ في الطفل البريء، ليرى في سكة قطاره البلاستيكي ألم
الصناعة، ويرى في مكون اللعب وطناً آخر غاب لكن الحنين له ما زالَ يبقى الألعاب
على صفاتها، أن تكون ثابتة، وقابلة جداً لتكسر. الأماكن الممتلئة تكون أكثر
الأماكن خلواً عندما لا تعرف الحب، لا فائدة لذكرى بلا حُب ، إن نبتة واحدة للحب
قادرة لتطعم ملاين الكائنات الأخرى؛ لأن " المحبة " سريعة الانتقال
والتأثير بما حولها، إنها تجعل العالم أكثر جمالاً، وتجعل الكائنات في أحلى حللها،
والذاكرة التي تعي كل ذلك تسبغ على صاحبها أحلى الصفات، فينطق عنه فعله بما يستحسن
، فإن كان دون ذلك كان قوله وفعله دون ذلك ، إن الداعي للحُب مُحب ، إلا أنا فأني
الحُب في جوهره، وأرى نفسي في كل كائنٍ أحبَ، بكل تلك الأسباب، بكل الشعور الذي لا
يفسر بشيء إلا " أنهُ " الحب بمعناه الأصيل الذي يختلف عليه الناس،
لكنهم متفقون في الشعور به، ووعيه .
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...