خرجت ذاكرتي من نهرِ الحُب عريانةً من وهمها، وعريانةً من جرحها. صحتُ وتناثرت أزهار على رصيفٍ ناهضٍ يجزُ الربابةَ، ويجرُ الصبابة لحناً حزيناً، وجرحَ خُبزٍ عالق في بلاعم تائقينَ للحيّاة يتوجدونَ لقائها. أوراقُ الخريفِ أصبحت مدن عشقٍ ذابلة، بدبيبٍ حفيف للتوقِ المعلقِ في قلوبِ من سمعَ صوتيّ المنسابُ " ذاكرة" لقاءٍ وذاكرة جمالٍ لا يُنسى. لقيتك في تيار دميّ مدينةً تتفتحُ للزهور قصيدة، وتتغلقُ للهطولِ تمنعاً وعشقاً، وبينما يجتمع الناسُ فيها لصوتكَ، يصبُ في فؤاديّ لحناً تسعى بهِ حياة مليئة بتفاصيلها التي ترمى على وجهيّ شبهاً، وصلة.
نمى حُبك، وتدلى، وصارَ قابَ الوتين أو أدنى، نشر فدوى، و عُني فأوفى، وأصبح الربيعُ في صورتهِ في الفصول المزياة بحللها، والمدجاة بخير الكلام. من توقٍ عُجن في نفسيّ، فتقت أنهار، ونمّت أشجار لستُ أحصرها، وجوه للمعاني، وعيون تتحدرُ فيها الدموع قرى وأوطان خلقت من جلد قاطنيها؛ سجادة حزنٍ تصيرُ درباً لفرحةٍ تسقي كل زفيرٍ غايته، وتعطي كل شهيقٍ وجهه الذي غدا في البعدِ قريبا.
خرجتُ من ذاكرتي نوراً يسعى إليهِ وجهكَ من بين الوجوهِ التائقة؛ بابَ حسنٍ ومورفَ تجلٍ لكل آخر يعكسُ في مرآة قلوبنا نهراً، ويعكسُ في مرآة أجسادنا خروجاً منا إلينا. جمع الخليطانِ، نفساً يسبحُ فيها الشعرُ، ودرباً ساعيّة إلى " الحبِ" الآخرين حين يصيرون جزءً منيّ، طريقاً ألقاكَ به، وسلوكاً يدور به الدائرون للفناءِ كوناً، وفراغاً يراقصُ قلبيّ لوجهكَ المعجونِ من صباباتي، والمتفجرُ من ألقي. يا عاهل آلام العالمين، حان اللقاءُ؛ ليذوبَ كل لقاء فيه، حتى يصير شمساً لا تغيبُ عن أحبابك حين يتذكرون وحين ينسون ليعيشوك بإرادةٍ للعيش، لا تحسنُ أن تعي إرادتها. إنّ الأغصان التي كانت كسيرةً، أصبحت أشجاراً، أبواباً يبلغ منها القاصدون أوطانها، ويداوون من لحائها جراحهم التي تحكي عن أفواههم الكثير.
خرجتُ منيّ، وما كان الخروجُ إلا عودةً، من هدوئي الذي جمع الآخرون حولي نبضاً أتحسسهُ، ويبلغُ مني دفءً وأحتواء. سعيتُ حتى سعى ليّ العالمُ، دوران إليّ، يدورُ بيّ ذاكرةً لا تشقى بعد ذلك أبدا؛ أيشقى من كان في هواك صباً؟.
يا عاهل آلام العالمين، سُحب العالم من راحتيك مطراً يعيد إليك الربيع بحلةٍ أخرى؛ أن تعاود الحبَ بمنطقِ الطير حينَ يسيحون خماصاً، ويعودن بطانا. يا عاهل آلام العالمين، أنظر يديك القلب النابضِ فيك صدراً يبلغُ منه الحب موطنه النامي بك، والعابرَ فيك.
تعليقات
إرسال تعليق
علق وجودك بالكلماتِ التي تكتبها لتحيا في رُده الشعور...